
.
نحو عمق البحر
نحو عمق البحر. نحو العمق. نحو أعمق أعماق البحر. هناك حيث اللغة
مرجان وطحلب متشابك. هناك حيث كل كلمة لؤلؤة محبوسة في محارتها.
أغرق في أطنان من الصمت. أغرق في الظلام الشفاف. أغرق في الدم الطاهر للأرض، في النحيب القديم لآلهة حزينة. أغرق… شَعري من طحالب سوداء… (في الأعالي بريق الوجود هو شمس ملتبسة.)
هنا أصداء الماضي.هنا أصداء المستقبل. هنا بطن هائلة عملاقة. هنا المركز المشتعل للحلكة الكونية. العزلة تامة، فسيحة، طويلة،عريضة، عميقة. يمكنني لمس جدرانها الأربعة اللا نهائية. صمت، موت، صمت، موت، صمت، أصداء نائمة، صمت، أعين، ملايين الأعين الخرساء، صمت، يداي تلمسان ظهر الأسماك، صمت، كهوف، أفواه سوداء مفتوحة إلى الأبد، صمت، صدأ، طحلب نائم إلى الأبد، صمت، حذاء متعفن إلى الابد، عملة تلمع إلى الأبد، مركب ميت مهدهد إلى الأبد، صمت، صحراء مرة أخرى، ضوء غائب، لمعان سمكة تفاجئني، تراني وتنكرني.
يثقل فوقي المحيط كله. يضربني في العمق، يضغطني بيديه العملاقتين، يحيط جسدي، يطبق على عينيّ، على رأسي، على رئتيّ… فقط شَعري حر، نبتة سوداء ترقص في تلك الليلة الزائفة.
أنظر إليك
أنظر إليك
وشيء ما يحدث في عينيّ
حتى في منتصف أكثر أحاديثنا تفاهة
وأعرف أنك تدرك ذلك
وأنك تتوه
رغم أنك تردّ عليّ بحساب
متشبثا
بالحاجز الحديدي للعقل
وتصمد في الدوار
بالقرب من حافة عينيّ
اللتين تسألانك شيئا مجردا
بالغ النعومة
وأزرق.
أن أكتبك
أن أكتبك ألا أكتبك
أن أنساك أن أمحوك
أن تكون عدما في الذكرى
أن أبعدك من الداخل
أن أدفعك نحو الماضي
أن أمحوك
أن أكون أنا ريحا وأنت أوراقا
أن أداعب غيرك
أن ألمس جلدا آخر
أن أعشق أجسادا أخرى لا مهرب منها
أن أبكي لأسباب أخرى
لكل البواعث
ألا تعود لتكون داخلي
ألا تعود لتكون خارجي
وعندما أعود لأسمع صوتك
أنظر إلى الناحية الأخرى
أنظر إلى الناحية الأخرى
ودائما أغلق عينيّ.
فقط أودّ
فقط أودّ أن تنجيني الكلمات. كالسماء تنجيها غيومها ونجومها، وكالماء تنجيه نضارته وتموجاته وتجمعاته المغمورة، فقط أود أن تنجيني الكلمات.
(من الضروري ألا يحدث شيء. من الضروري تماما أن تلقي الأعمال بنفسها في بوادرها كي تكون، وألا تكون، ألا يحدث شيء.)
الزمن محارة حيث يسمع فيها عواء الحياة.
الألم منظر يتغير بغتة، يتحول، يمطر.
أريد، ينبغي، عليّ أن أخرج
أريد، ينبغي، عليّ أن أخرج من هنا. أن أخرج سريعا من بوابة الكلمات الخلفية. أن أخرج من قفص الهواء هذا المصنوع من قضبان هوائية. أن أخرج من هذا الفضاء المُدْغَم بالألم. أن أخرج من جسد الهواء هذا الذي هو جسدي, أن أخرج من الهواء. أن أخرج سريعا من البوابة الخلفية للكلمات. أن أقول “آخر” والآخر ينكشف. أن أقول “غيم” والغيمة تعلق في السماء مشحونة بالمعاني، أن أقول “مطر” وينفجر المطر.
عليّ أن أجْهَدَ في القول، في عدم التوقف عن الكلام كي يمكنني هكذا أن أُسْكِتَ هذا العواء المتواصل، كي أخرس ذلك الآخر الذي يريد دائما مجادلتي ويحاصرني ويحيطني ويصلبني ويسندني في الفراغ ودم فقط وثبات وسيطرة موازية.
أن أقول “كلمة” كي تُفتح هذه كمستقبل. أن آكل جوزها. أن أقول “ماء” فتتبلل الروح كإسفنج. أن أقول “جناح” فترفعني نسمة الريح. أن أقول “حب” فيتجسد الحب منحوتا في الفراغ. أن أقول “صمت” أن أقول “أقول”، أن أقول “لا شيء، لكن أن أقول، أقول، أقول…
إليوت
قطي
خلف الباب المغلق
يموء
يود أن يدخل هذه القصيدة
التي لا تسعه.
الحجر
لقد ابتلع حجرا
والأمر بالغ الصعوبة
بصقه ليس سهلا
يمكنه تذويبه مع الزمن
مع الدموع
لكنه دائما ما يستعصي
وهكذا تمضي مشاعره
مسدودة في ماسورته ذاتها
ودون تصريف.
وهم معماري
_ غرفة محكمة السد
أي، أربعة جدران،
إضافة إلى الأرضية والسقف
– عازل للصوت ممتاز
– نوافذ ممكنة لكنها ليست حقيقية
– بويب خفي غير موجود
– باب للدخول والخروج غير مرئي
– مع ذلك ثمة أحد بالداخل
ثمة أحد بالداخل
– والهواء؟
الهواء يأتي ويروح
ولا أحد يعرف من أين.
ألوان متبادلة
أنظر إليك
وأنت تنظر إلى البحر
بينما عيناك السوداوان
تستحيلان
بعمق وببطء
إلى زرقاوين.
ليس جيدا أن تحب هكذا
لنتوقف أمام هذا المشهد:
كل واحد
في طرف قصي من الجسر الطويل
بالأسفل نهر من المياه
ساكنة بضراوة
من حيث تقف أنت
ناظرا إلي
تشرق شمس قاتلة
حيث أقف أنا
بانتظارك
يطلع قمر ميت.
حب عقيم
كنت أحبك
بشكل مفرط في الخطأ
فيما وراء ذلك الشريط
الضيق والرفيع بالمقاس
بهذا الحب بطعم الشفقة
ورائحة الحزن
كنت أنا
وجذور حبي
نشرب عطشى
في البركة القاحلة للشعور بالذنب
لهذا
لم ننبت أبدا
ولدت الشاعرة الإسبانية بيلار غونثالث عام 1960 في مدريد وهي تعمل حاليا أستاذة للغة والفكر الصينيين بجامعة مدريد المستقلة كما أنها حاصلة على الدكتوراه في الأدب الإسباني. ترجمت العديد من الأعمال الأدبية الصينية إلى اللغة الإسبانية وصدر لها الكثير من الدواوين وترجمت قصائدها إلى عدد من اللغات كما حصلت على بعض الجوائز الهامة في إسبانيا بالإضافة إلى مشاركتها في الكثير من الفعاليات والمهرجانات الشعرية حول العالم
ترجمة عن الإسبانية: أحمد يماني
هذه القصائد نشرت في العدد الرابع من مجلة كيكا للأدب العالمي (المطبوعة)، صيف 2014.