
لقد أصبح سؤال “ما اتحاد كتاب المغرب؟” على غرار سؤال “ما الأدب؟” الذي طرحه سارتر حول الأدب سابقا يعد مؤشرا على الوضع المأزوم الذي يعيشه الاتحاد حاليا. طرح سارتر سؤال “ما الأدب؟” في كتابه “ما الأدب؟”، متسائلا حول الفائدة المتوخاة من الأدب كما طرح بارث السؤال نفسه بصيغة أخرى حول الكتابة في كتابه “درجة الصفر في الكتابة” لكي يقول بأن الأدب قد مات، وبأن المرحلة تحتاج إلى زعزعة الثوابت وإعادة التفكير في ميكانيزمات جديدة تعيد إحياء الاعتقاد بضرورة الأدب أمام حاجة الإنسان الملحة في كل زمان ومكان إلى الكتابة، لذا ومن هذا المنظور يعد سؤال “ما اتحاد كتاب المغرب؟” سؤالا ملحا وأساسيا في راهننا الثقافي، ذلك أن السؤال يحيل على سؤال آخر حول جدوى المؤسسة الثقافية والفائدة المتوخاة منها، بصيغة أخرى “ماذا يعني وجود اتحاد كاتحاد كتاب المغرب في المشهد الثقافي؟”. إنه سؤال يطرح نفسه أمام الوضع المتأزم الذي تعيشه هذه المنظمة العتيدة التي شكلت في مراحل سابقة من عمرها دعامة أساسية في خلق دينامية ثقافية وسياسية في البلاد، فسؤال “ما جدوى الاتحاد؟” يروم سؤال “ما جدوى الثقافة؟”، بمعنى “ما جدوى الكتابة؟، ما جدوى الإبداع؟، وما جدوى أن تكون مبدعا في نسق لا تتوفر فيه آليات الصناعة الإبداعية؟، ومن ثم نسق ينظر إلى المنتوج الثقافي كونه عنصرا تكميليا وليس أساسيا في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالأسئلة المتناسلة إذن تطبع مرحلة تعد منعطفا حاسما في عمر المنظمة، هذه الأخيرة تميزت بخفوت صوت المثقف الذي أحيط بسياج من العزلة الذاتية والعزلة التي فرضتها الأحداث المستجدة في عالم اليوم، فأصبح إقصاءه إقصاء مزدوجا عجز على إثره عن المساهمة في حل مشاكل الشأن الثقافي، فكلنا مسؤولون إذن عن ما يحدث في مؤسسة تعد مرآة تعكس صورة المثقف في المجتمع، مسؤولون طبعا بانسحابنا. نتيجة لهذا انطفأت شعلة المؤسسة وتوارت قيمتها الرمزية خلف الخلافات الداخلية والمشاكل الجانبية التي وقفت حاجزا أمام الأولويات والرهانات المنتظرة من هذه المنظمة الثقافية التي بدلا من أن تعتمد تخطيطا استراتيجيا يضمن الحضور الرمزي والفاعل لصوت المثقف انساقت وراء تصدعاتها الداخلية التي زادت تصدعا حين اعتمد المثقف لغة الانسحاب واللامبالاة، “فما يحصل لنا شبيه بنا” على حد قول ديستويفسكي.
يرتبط الخفوت والضمور إذن الذي أصاب الاتحاد أساسا بضمور الحضور الفاعل للثقافة وتراجع دورها الإشعاعي، ومن ثم تراجع دور المؤسسة ذات الثقل الفكري في تطوير الحراك الثقافي والتنويري للمجتمع وفي نمو حركة الوعي الجمعي، وعليه انحازت الثقافة والمثقف إلى منطقة الظل، ذلك أن الثقافة لم يعد لها تأثير مباشر على السياسة العامة، والسبب راجع إلى التغيير الذي حدث في جملة من الأنساق الحياتية في زمن سريع التحول والانتقال من حيث قيمه وأنماط عيشه واستهلاكه، مما أدى إلى ممارسة التنميط على الثقافة والمثقف، ومن ثم تهميش دورها في الممارسة الميدانية والسياسية، في مقابل التركيز على قيم الاستهلاك المادي ذي النفع المباشر والآني، ونتيجة لهذا انحصرت الثقافة في فضاءات معرفية محدودة لا تضخ الدماء في الأوساط الشعبية الواسعة.
أمام واقع الثقافة والمثقف الذي تتداخل فيه أسباب ذاتية وموضوعية، ويجسده وضع الاتحاد المأزوم يحتاج هذا الأخير للإجابة عن أسئلته الراهنة إلى الدخول في مرحلة حداد تمكنه من تفكيك ميكانيزماته التي طالما كان يعمل وفقها، والتفكير في ميكانيزمات جديدة تستجيب لظروف المرحلة الراهنة من حيث مواكبة واقع سريع التحول سياسيا واجتماعيا وثقافيا، ومن ثم تعيد للاتحاد وللثقافة قيمتها الاعتبارية وحضورها الرمزي والفاعل كما تمكنه من المساهمة في تدبير المشهد العام بفاعلية منتجة.
إن الميلاد الجديد للاتحاد لن يتم إلا إذا هيكل نفسه هيكلة جديدة في ظل شروط ديمقراطية تعتمد العقلانية والإنتاجية كما تعتمد الجهوية الثقافية واللامركزية، بغية نهج تخطيط استراتيجي خاص بكل جهة من أجل ملامسة واقعها الثقافي عن قرب وبشكل مباشر، ذلك أن المقاربة اللامركزية التي تستهدف سياسة القرب آلية أساسية من آليات الديمقراطية التي يحتاجها النهوض بالفعل الثقافي في بلادنا، تساعد انفتاحه على الهامش وتقوي حضوره في المجتمع عبر تقوية حضوره في المؤسسات التعليمية والاجتماعية والسياسية بوصفها مؤسسات حاضنة لتنمية وعي المواطن، فعبر هذا الحضور يمكن للجسم الثقافي أن يمد جسور التواصل مع مختلف شرائح المجتمع كما يمكن للمثقف أن يظهر فاعليته خارج أسوار الفضاءات المحدودة للمعرفة، بمعنى داخل فضاءات ظل بعيدا عنها سواء أكان بإرادته الذاتية أو أقصي منها، يفهم من هذا أن الوضع الاعتباري للمبدع والمثقف يعد جزءا لا يتجزأ من الوضع الاعتباري للمؤسسة، فكلما استطاعت المؤسسة أن تضمن للكاتب والمثقف حقوقه المادية والمعنوية أمام دور النشر وتجاوزاتهم كما تنظر في ظروفه الاجتماعية والمهنية، بما يعني ذلك تهيئة نسق ثقافي يتوفر على شروط صحية للإبداع أهمها منحه الحق بوصفه مبدعا يزاوج بين ممارسته المهنية وممارسته الإبداعية لكي يتمتع بمرونة إدارية تساعده على التفرغ للممارسة الإبداعية، لن تتحقق هذه الشروط إلا إذا توفرت لدينا مؤسسة ثقافية قوية قادرة على النضال في سبيل ضمان حقوق المبدع اجتماعيا واقتصاديا، ومن ثم النهوض بالفعل الإبداعي وبآلياته، ووضع المبدع في إطاره الاعتباري الصحيح الذي يستحقه، فقيمة الإبداع لن يفرضها إلا الإطار المؤسساتي الحاضن له ولممارسيه، لذا نحن في حاجة إلى إطار حقيقي وفاعل وليس وهم إطار.
كاتبة مغربية