مقابلة مع مديرة معهد ثيربانتيس في بيروت الشاعرة والصحافية الإسبانيّة يولاندا سولير أونيس

يولاندا سولير أونيس

معهد ثيربانتيس في بيروت يترجم سعيد عقل
إلى الإسبانيّة ويكمل في مدّ الجسور الثقافيّة

أجرت المقابلة: كاتيا الطويل

صدرت حديثًا ترجمة إسبانيّة لمقتطفات من شعر اللبنانيّ سعيد عقل (1914- 2012) ضمن سلسلة “دفاتر بعلبكّ” في مبادرة من معهد ثيربانتيس في بيروت والسفارة الإسبانيّة في لبنان والجامعة اللبنانيّة لتعزيز حركة ترجمة الشعر العربيّ إلى الإسبانيّة. وترمي هذه المبادرة إلى تعريف القارئ الإسبانيّ بشعراء عرب كما ترمي إلى ترسيخ الجسور الثقافيّة والأدبيّة والفكريّة القائمة بين اللغتين الإسبانيّة والعربيّة. فبعد طلال حيدر اختار معهد ثيربانتيس بإدارة الشاعرة والصحافيّة الإسبانيّة يولاندا سولير أونيس أن تتمّ ترجمة مقتطفات من شعر سعيد عقل ليكون هذا المؤلّف هو الثاني ضمن سلسلة يُرجى أن تكون طويلة ومثمرة.
ومن الجدير بالذكر أنّه تمّ إطلاق الكتاب في ثلاث مدن لبنانيّة مختلفة هي بعلبكّ (في فندق بالميرا، حيث تمّت استضافة ورشة الترجمة) وبيروت العاصمة وأخيرًا طرابلس. أمّا حفل إطلاق الكتاب بيروت فقد ضمّ نخبة من طلاّب المعهد والقيّمين عليه والمترجمين الذين عملوا على إنجاز المؤلّف بالإضافة إلى حضور سفير جمهوريّة تشيلي وسفير الجمهوريّة الإسبانيّة.
ومن اللافت دأب هذا المعهد المتخصّص بتعليم اللغة الإسبانيّة ونشرها في عواصم كثيرة من العالم  على تحقيق الهدف من نشأته في بيروت على الرغم من صعوبة الظروف الحاليّة في لبنان بخاصّة بعد ثورة تشرين 2019 وجائحة كورونا (2019-2020) وانفجار بيروت المأساوي (آب 2020) والانهيار الافتصاديّ الحاصل منذ العام 2021.

كان لنا هذا اللقاء مع مديرة معهد الثيربانتيس الشاعرة والصحافيّة الإسبانيّة يولاندا سولير أونيس لمناسبة إطلاق ترجمة مختارات من شعر سعيد عقل.

أخبرينا قليلاً عن معاهد ثيربانتيس حول العالم وعن دورها

المركز الرئيسيّ لمعاهد ثيربانتيس هو في مدريد، والمعاهد كلّها تتبع سياسته مع وجود مدير لكلّ معهد. تتوزّع معاهد الثيربانتيس في دول متعدّدة ولها دور ثقافيّ وتعليميّ تضطلع به. طبعًا تتواصل المعاهد كلّها مع الفرع الأمّ الموجود في مدريد لحسن التنسيق والمتابعة الإداريّة ولتقديم أفضل النتائج إنّما تختلف أنشطة معاهد ثيربانتيس باختلاف ظروف الدول المتواجدة فيها. فليست الدول متشابهة ولا الشعوب ولا الثقافات ولا الحضارات. هدف المعهد الأوّل هو نشر اللغة الإسبانيّة وحضارة الدول المتحدّثة بها وفكرهم وتاريخهم وأدبهم وخصائصهم.

هل أنت راضية عن أداء المعهد في بيروت وعن أعماله؟

نعم، أنا راضية تمام الرضى عن وتيرة عمل معهد ثيربانتيس وعن نشاطاته في بيروت. وصلتُ في أيلول/ سبتمبر 2019 إلى لبنان في ظروف ليست مثاليّة بتاتًا وبعيدة كلّ البعد عن الاستقرار والطبيعيّة. كان الوضع مجنونًا منذ وصولي، فأوّلاً وقعت الثورة وما تلاها من أحداث وهي أمور أثّرت علينا كبير تأثّر نظرًا لموقعنا الجغرافيّ في وسط المدينة ونظرًا لإغلاق الطرقات وتعذّر وصول الأساتذة والطلاّب إلى صفوفهم. اضطررنا حينها إلى إعادة هندسة شكل إعطائنا للصفوف واضطررنا إلى إيجاد طرق تعليم تختلف عن طرقنا التقليديّة في المجيء إلى المعهد وذلك حتّى قبل جائحة كورونا وتحوّل الكرة الأرضيّة بأسرها إلى نظام العمل والتعلّم عن بعد.

بعد الثورة نزلت بنا أزمة الكورونا فأكملنا خلالها إعطاء الصفوف عن بعد. بعد تضاؤل أخطار وباء الكورونا والعودة إلى الحياة الطبيعيّة وقع انفجار بيروت الكارثيّ الذي أضرّ كبير الضرر بالمدينة وبأهلها وبطبيعة الحال بالمعهد. لحسن الحظّ لم تقع لدينا حالات وفاة إنّما كانت لدينا إصابات متعدّدة وتمّ تدمير المعهد بمبناه الجديد. إنّ تضرّر أناس كثر وتحطّمُ الزجاج وتحطّم الموقع بأسره خلق لنا عقبات كثيرة غير متوقّعة. لم يكن باستطاعتنا أن نطلب من الطلاّب الحضور في ظلّ كلّ ما جرى بعد الانفجار من خوف وتوتّر ودمار. أكملنا الصفوف عن بعد على الرغم من كلّ ذلك، وعلى الرغم من الواقع الاقتصاديّ المتدهور والمتراجع بشكل كبير والذي ما يزال يتدهور أكثر يومًا بعد يوم.

كيف تمكّن المعهد من الاستمرار بنشاطاته الثقافيّة وهل جرى انقطاع للعمل الثقافيّ في السنوات القليلة السابقة؟

لم نوقف نشاطنا الثقافيّ يومًا، حتّى في أحلك الظروف حرصنا على إبقاء العمل الثقافيّ على رأس قائمة همومنا واهتماماتنا. حتّى معرض اللوحات الذي كان من المفترض أن يُفتتح في آذار/ مارس من العام 2019 وهو تاريخ بداية حظر التجوّل في لبنان بسبب جائحة الكورونا أقمنا المعرض وخلقنا جولات أونلاين وزيارات عن بعد عبر الفيديو وذلك بشكل مجّانيّ ولكلّ من يهمّه الأمر.

حرصنا على إعادة خلق الأنشطة لتناسب الأوقات الصعبة التي عرفتها المدينة والتي عرفها العالم بشكل عامّ. أمّا بعد نهاية أزمة الكورونا فبدأنا نعيد هيكلة مشاريعنا وبدأنا بتنظيم حفلات موسيقيّة ومعارض حضوريّة وليس عن بعد. كذلك عدنا إلى أنشطتنا من إطلاق مشاريع وتوقيع كتب مترجمة من العربيّة إلى الإسبانيّة أو العكس.

نحن اليوم، في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي حلّت بلبنان لدينا صفوف حضوريّة وصفوف نجريها عن بعد نظرًا لصعوبة المواصلات وغلائها كما أنّنا خفّضنا أسعارنا لتلائم الوضع الاقتصاديّ للبلد من دون أن نخفّض من مستوى الخدمات والأنشطة الثقافيّة والفكريّة والأكاديميّة التي نقدّمها.

ما هي التغيّرات التي لاحظتها في المعهد بين لحظة وصولك حتّى اليوم؟

إنتقل معهد ثيربانتيس سنة 2017 من موقعه الأوّل إلى موقعه الجديد في منطقة بيروت الرقميّة “زد أر أي” وشهد تغييرات جذريّة في سياساته وأساليبه التعليميّة. ألاحظ بحزن شديد أنّنا خسرنا حوالى 30% من طلّابنا بعد جائحة الكورونا وما تلاها من أزمات سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة حلّت بالبلد. ألاحظ كذلك أنّ أهداف الطلاّب من تعلّم اللغة الاسبانيّة اختلفت، ففي السابق كان الطلاّب يتعلّمون الإسبانيّة حبًّا باللغة ورغبة في فهم موسيقاها وثقافتها وحضارتها وأهلها لكنّنا اليوم نلاحظ أنّ الطلاّب يتوافدون على المعهد لتعلّم اللغة كأداة ضروريّة للهجرة ومغادرة البلد.

على صعيد آخر، أودّ التأكيد أنّنا، وعلى الرغم من الصعوبات التي نواجهها يوميًّا وعلى مختلف الأصعدة، على الرغم من الوضع المتردّي وتضاؤل عدد الطلاّب، لن نغادر بيروت وسنبقى دومًا على عملنا وجهادنا في هذه المدينة الغنيّة والحيّة والمفعمة بحبّ الثقافة والأدب واللغات. لن يأتي يوم ويغادر فيه معهد ثيربانتيس مدينة بيروت فهو هنا لإقامة جسور بين حضارتين وهو أمر لن يتغيّر يومًا.

نلاحظ بصمتك على المعهد كشاعرة ونلاحظ الميل الواضح إلى ترجمة الشعر. أخبرينا عن تأثير منصبك كمديرة معهد ثيربانتيس على نشاطك الإبداعيّ وعلى كتاباتك الشعريّة.

أعمل في معاهد ثيربانتيس حول العالم منذ العام 2005. عملتُ في ثيربانتيس مانشستير وثيربانتيس وارسو وثيربانتيس مرّاكش ومنذ العام 2019 أنا موجودة في لبنان، وخلال هذه الأعوام كلّها لم أكتب سوى أربع قصائد، اثنتان منها كتبتهما في لبنان.

المشكلة التي أواجهها منذ أن تولّيت منصبي في معاهد ثيربانتيس هي أنّني على الرغم من عملي مع كتّاب وفنّانين ومبدعين ومترجمين فأنا عاجزة عن إيجاد الوقت للكتابة. أعمل مع مبدعين يوميًّا إنّما الوجه الإداريّ والإجراءات اللوجستيّة تستنزف وقتي وتستحوذ عليه وتمنعني عن التركيز للكتابة. بالإضافة إلى ذلك إنّ لبنان بلد ديناميكيّ حيّ فيه أنشطة كثيرة ولا بدّ لي من أن أتابعها وأن أشارك فيها عدا عن الأنشطة التي ننظّمها في المعهد وهي أنشطة لا تتوقّف ولا تهدأ. من المستحيل أن أركّز على الكتابة في ظلّ الاتّصالات والالتزامات وضروريّات العمل الإداريّ.

الشعر في حاجة إلى وقت وتركيز وتفكير. يحتاج الشعر إلى أن يستمع المرء إلى ندائه وأن يكرّس له الوقت وهذا ما لا أملكه فأنا دائمة الانشغال ودائمة الحركة. وضعتُ عددًا من المقالات الثقافيّة لكنّها ليست بالعدد الذي أرجوه.

حدّثينا عن إصدارات المعهد وعن سلسلة “دفاتر بعلبكّ” وعن مشروع ترجمة الشعر

توجد في الثيربانتيس سلسلتان للترجمة. السلسلة الأولى مخصّصة لترجمة الشعر من الإسبانيّة إلى العربيّة والسلسلة الثانية تعمل على ترجمة الشعر العربيّ إلى الإسبانيّة.

السلسلة الأولى عنوانها “بوثينار” (POCENAR) وهي تضمّ ترجمة لنصوص من الإسبانيّة إلى العربيّة لكتّاب فازوا بجائزة ثيربانتيس ولا بدّ للقارئ العربيّ من أن يعرفهم، أذكر منهم المكسيكيّ خوسيه إيميليو باتشيكو والكولومبيّ أبارو موتيس. الهدف من هذه السلسلة كان طبعًا الحثّ على تحريك عجلة الترجمة وتعريف القارئ العربيّ بالشعر الإسبانيّ وجعله يكتشف الشعراء الذين لم تتمّ ترجمتهم إلى العربيّة سابقًا. أمّا السلسلة الثانية فعنوانها “دفاتر بعلبكّ” وقد صدر منها مؤلّفان اثنان، الأوّل هو مختارات من شعر طلال حيدر مترجمة إلى الإسبانيّة والثاني الذي صدر مؤخّرًا هو مختارات من شعر سعيد عقل.

أخبرينا عن هذه الترجمات وعن إنطلاق فكرة ترجمة الشعر العربيّ إلى اللغة الإسبانيّة

السفير الاسباني، جعفر العلوني ، يولاندا سولير أونيس وزميلة من المعهد

كان لا بدّ للقارئ باللغة الإسبانيّة أن يكتشف الشعر العربيّ الذي لم تسنح له الفرصة بأن يُترجم. وكان لا بدّ للبداية من أن تكون مع العظيمين طلال حيدر وسعيد عقل. وقد اكتشفنا خلال سنوات العمل أنّ هذين الشاعرين اللبنانيّين مختلفان تمام الاختلاف على جميع الأصعدة، من ناحية اللغة والخلفيّة والأفكار والفنّيّة وأساليب الكتابة إلخ. فكانت تحدّيات الترجمة مختلفة تمام الاختلاف بين العملين. في حالة ترجمة أشعار طلال حيدر، اخترت أنا والشاعر نفسه الأشعار التي نراها مناسبة للترجمة ورافق حيدر العمليّة بأسرها. أمّا في حالة المختارات من شعر سعيد عقل فقد اختارها الدكتور سهيل مطر وهو تلميذ سعيد عقل وصديقه ومقرّب منه. كذلك أشرف على الترجمة المترجم السوريّ-الإسبانيّ جعفر العلّوني وعملَت على الترجمة كلّ من جنى دندشلي وباميلا الدويهي. في ما يتعلّق بالعمل على ترجمة مختارات شعر سعيد عقل فقد عملنا مع متخصّصين ومترجمين وقمنا بورشات عمل وترجمة وأقمنا في فندق بالميرا في بعلبكّ الذي استضافنا بكلّ محبّة ومنحنا الفسحة المناسبة والراحة الفكريّة لنعمل بجدّيّة على هذه الترجمة. نحن سعداء كثيرًا بهذا العمل ونأمل أن يبلغ القارئ الإسبانيّ وأن يحقّق الأهداف الثقافيّة التي نرجوها منه.

SHARE