مسرحية “حُبّ” تأليف لودميلا بيتروشيفسكايا

from LOVE a play by Ludmila Petrushevskaya web

مسرحية “حُبّ “

تأليف لودميلا بيتروشيفسكايا

ترجمة ضيف الله مراد

مسرحية في فصل واحد

الشخصيات:
سفيتا
توليا
يفجينيا ايفانوفنا – والدة سفيتا –

(غرفة تضيق بأثاث غير باذخ، بحيث لا يمكن التحرك بحرية. جميع الأحداث تدور في محيط الطاولة الكبيرة. على الطاولة، علبة حذاء جديد من الكرتون، لفت بشريط ورقي. تدخل سفيتا وتوليا. تلبس سفيتا ثوباً عاديا أبيض، وتحمل باقة صغيرة من الأزهار. توليا، يرتدي طقماً أسود. يمر وقت. كلاهما صامت. تخلع سفيتا الحذاء وتبقى بالجوربين. تجلس إلى الطاولة. اللحظة التي تنتعل فيه الخف البيتي، متروك لرؤية المخرج. بكل الاحوال، يجب أن يحظى انتعال الخفّ باهتمام خاص)

توليا : أين الوالدة؟
سفيتا : ذهبت في زيارة.
توليا : جيد.
سفيتا :اقصد، ذهبت لزيارة الأقرباء في مدينة ” بودولسك”.
توليا : متى؟
سفيتا: فورا…. بعد مراسم الزواج.
توليا: أظن، سوف تحتاج للوصول إلى ساعة ونصف.
سفيتا: أقلّ… ساعة وربع بعد الخروج من محطة المترو.
توليا: سوف تتعب وقد تتأخر في العودة. أخشى عليها من مشاغبي “بودولسك”.
سفيتا: انها تفضل النوم في بيتها.
توليا: مفهوم…
(فترة صمت. يقترب توليا من سفيتا)
سفيتا: هل تحب أن تأكل؟
توليا: لقد جرعوني السّم في المطعم.
سفيتا: المطعم أعجبني.
توليا: لقد تسممت من الطعام.
سفيتا: أما أنا فقد أعجبني.
توليا: أنتِ لم تعتادي الذهاب الى المطاعم.
سفيتا: ببساطة، كان الطعام جيداً.
توليا: الفراريج؟
سفيتا: لماذا الفراريج. اللحم.
توليا: غداً سوف تشعرين بالضرر من هذا اللحم. هل تعرفين ما هي نوعية الزيت الذي يستعملونه؟
(يقترب توليا من سفيتا. هنا، يمكن لها الابتعاد إلى الطرف الاخر من الطاولة للبحث عن الخفّ)
سفيتا: لقد أعجبني الطعام.
توليا: الفراريج، إنها تناسب طبيب الأسنان.
سفيتا: أنا أكلت لحماً.
توليا: الفراريج، إنها تناسب فقط طبيب الأسنان.
سفيتا: ماذا تقصد؟
توليا: بعد تلك الفراريج يجب عيادة الطبيب.
سفيتا: هل هناك مشكلة في أسنانك؟
توليا: أسناني ممتازة وما شكوت منها في حياتي.
سفيتا: اذن، ما المشكلة ؟
توليا: الفراريج عظم من دون لحم.
سفيتا: لماذا لم تطلب تغيير الطبق.
توليا: لا أحبّ أن أثير المشاكل في المطعم.
سفيتا: لكنك تشاجرت مع النادلة ما ان دخلنا.
توليا: ليس حباً بالشجار. الطاولة كانت وسخة.
سفيتا: ألست أنت من اختارها، وجلس عليها؟
توليا: الطاولات لم تكن مشغولة. ومع ذلك يقولون، انتظر!
سفيتا: كنّا انتظرنا.
توليا: كاحلك كان يؤلمك.
(تحدث الجملة أثراً يشبه صوت انقطاع الوتر
سفيتا: بسبب الحذاء لعنت حياتي. سعيت شهراً كاملاً للحصول عليه. والنتيجة، أنني حصلت على حذاء أصغر بنصف نمرة، وهذا أول البارحة.
توليا: في يوم اتصالي بك؟
سفيتا: في ذات اليوم.
توليا: هل كان صعباً الحصول على مقاسك؟
سفيتا: نعم. اللون الأبيض لم يكن متوفراً في موسم الصيف.
توليا: كنت احتاطي للأمر مسبقاً.
سفيتا:هذا ما حصل.
توليا: لو أنك كتبت لي. لقد تركت لك عنواني.
سفيتا: وأنا أعطيتك عنواني.
توليا: انشغلتَ ببيع المنزل.
سفيتا: وأنا انشغلت بالعمل.
توليا: في مدينتنا يمكن العثور على أشياء مدهشة في سوق الأشياء المستعملة.
سفيتا: لا أحبّ الشراء من سوق الاشياء المستعملة. قد يكون الغرض لشخص ميت.
(صمت. لا يزال توليا واقفاً )
توليا: آه، عليّ أن أغسل وجهي بعد المطعم. أين حقيبتي؟ سآخذ المنشفة.
سفيتا: يمكن ان تستعمل المناشف الحمراء الموجودة في الحمام.
توليا: الإستعمال المشترك للمناشف ليس صحيّاً.
سفيتا: سأغيّر لك المناشف، وستكون أيضاً حمراء.
توليا: وكيف نميّز بينها؟
سفيتا: سأطرّز عليها صورة أرنب.
توليا: لماذا؟ في الحقيقة، أنا عندي كامل لوازم المنزل: شراشف وملاحف
سفيتا: وهل ستنام على شراشفك؟
توليا: لم أقرر بعد.
سفيتا: سأنام إلى جوار أمي، وأنت نم وحدك. وبذلك لن تبدد شراشفك المنزلية.
توليا: لن يضيع اجتهادي البائس من غير منفعة! كنت أغسل وأكوي في أوقات فراغي. أشتري وأكوي وأغسل.
سفيتا: وحدك؟
توليا: وحدي. عندما كنت في بلدتي، لم توافق أمي على زواجي من إحدى الفتيات. قالت لي، إنها تعرف أهل الفتاة حتى الجدّ الثالث وكلهم قطاع طرق. من يومها، وأنا أغسل وأكوي.
سفيتا: وتعلمتم في المدرسة الداخلية رقص الفالس والغسيل.
توليا: مع الأسف. لم ترقصي معي الفالس.
سفيتا: كاحلي مسلوخ. كان يمكنك دعوة كوزنيتسوفا.
توليا: زوجها موجود ليرقص معها وكان جالساً.
سفيتا: ما كان ليزعل لو أنك دعوت كوزنيتسوفا للرقص.
توليا: صح. لن يزعل.
سفيتا: المهم، لقد تعلمتم أمرين اثنين في المدرسة الداخلية: الرقص وغسل الشراشف. وكل واحد منهما يكمل الآخر، وتلك مهمة الرجل الحقيقي.
توليا: ماذا تقولين؟ لقد أحاطونا في المدرسة الداخلية بكل أشكال الرعاية ولم نكن نغسل الشراشف. بكل الأحوال، لم تقتصر الدراسة على ما ذكرت. أنا لا أجيد الغسيل. وفي تلك الأيام التي عملت فيها بحفر الآبار في سهوب كازاخستان، كانت الطاهية هي من تغسل لنا. أما في مدينة سفيردلوفسك، وبحسب العقد المبرم فقد كنت أستخدم شراشف صاحبة البيت التي كنت استأجر عندها.
سفيتا: سبق وأن حدثتني عن ذلك.
توليا: هذه هي المرّة الأولى التي أحدّثك فيها عن الشراشف. أول مرة غسلت فيها الشراشف، كانت يوم جهزت نفسي إليك. بعد أن اشتريتها، غسلتها بالمسحوق وكويتها. بالتأكيد، لن أرضى بالنوم على شراشف لامستها أيادي الخياطين والنساجين والمراقبين الفنيين وعمال التخزين والبائعين والمشترين.
سفيتا: بطل! تلتزم بقواعد النظافة.
توليا: طبعا، أنا شديد الحساسية من ناحية النظافة.
سفيتا: وهل تتحسس من مناشفنا؟
توليا: أنا؟ أبداً، لم تقولين ذلك.
سفيتا: لماذا جئت بشراشفك إذن؟
توليا: كيف لماذا…. أعرف أن أحوالكم على قدّ الحال.
سفيتا:على قدّ الحال، ومع ذلك كنت أشتري في كل رأس سنة جديدة هدية لنفسي: زوجين جديدين من الشراشف وننام على نظافة.
توليا: هذا ما سنفعله أيضاً في عائلتنا. سأهديك شراشف.
سفيتا: عائلتنا؟ ربما، لن يتحقق ذلك.
توليا: سوف نرى.
(يقترب من سفيتا، وبعفوية مفاجئة، يضع يده على صدرها)
سفيتا: (تتراجع) ابتعد!
توليا: ما بك، ما بك؟ لا تخافي! لم يحدث شيء.
سفيتا: هل تظن نفسك في الميناء؟ بحار يجوب البحار.
(تضحك)
توليا: أنت زوجتي.
سفيتا: من الناحية العملية لست زوجتك بعد، فلا تحلم.
توليا: المسألة لا تحتاج إلى كلّ ذلك.
سفيتا: إذا حاولت التحرش ستذهب في الحال.
توليا: إلى أين؟ إلى أين أذهب؟
سفيتا: أنت أعلم. (تستمر في الضحك) إذهب إلى أمك.
توليا: أمي تعيش عند شقيقتي. وليس لي مكان عندهم.
سفيتا: إذهب إلى مدينة سفيردلوفسك، إلى عند صاحبة البيت.
توليا: لا أملك سندا للإقامة هناك. إنتهى! ليس عندي مكان. بيت أمي وبعته. ليس عندي مكان! انني أقف هنا… أمام طاولتك…. وفي بيت أمك.
سفيتا : (تضحك) ولم أنت واقف، إجلس.
توليا: لا داعي. سأنتظر واقفاً.
(صمت)
(يأخذ الأمور بجدية )
سفيتا: (تضحك) يريد التحرش بي!
توليا: هل الزوج يتحرش بزوجته؟ هذا الكلام غير معقول. الزوج يحترم زوجته ولا يتحرش بها.
سفيتا: لنترك هذا الحديث.
توليا: ألم تترك أمك البيت من أجلنا متعمدة، وتكبدت مشاق السفر لتبيت عند الناس؟
سفيتا: سبق وذكرت، انها لا تحبّ أن تنام عند أحد، وهي لم تقل ذلك. يعني، هي لن تنام. وإن هي قالت فعلت، وأنا مثلها تماماً.
توليا: رائع. ( يفكر)
سفيتا: أقول ما بفكري ولا يهمني أحد. فلماذا التحايل والكذب والتشاطر. أقول ما بفكري.
توليا: لكنها لن تعود قريباً، فمم أنت خائفة.
سفيتا: لقد أمضينا وقتاً لا بأس به في المطعم وهذا أولاً، وثانيا من قال لك إنني خائفة ؟ أنا، لا أخاف. على كل حال، الكذب ليس من عادتي. قل لي، ماذا تعرف عني؟ إنني أقول الحقيقة دائماً، ولا أخاف أحدا. أنت لا تعرف عني أي شيء. أنت لا عرفني.
توليا: لقد راقبتك خلال سنوات الدراسة الخمس.
سفيتا: راقبتني، لكنك لم تعرفني.
توليا: لقد عرفت عنك كل شيء، ولا أرغب بالمزيد. كان يحوم حولك شابان إثنان، ولكنهما لم يحزما أمرهما.
سفيتا: الحديث ليس عني، اتفقنا؟ وإذا أردت أن تسألني عن أمر ما، فسوف أجيبك بصدق.
توليا: لن أسألك عن أي شيء، فأنا أعرفك منذ سنوات الدراسة الجامعية.
سفيتا: أما أنا فلا أعرفك، لأنك كنتَ ضمن مجموعة دراسية أخرى. لقد أنهينا الدراسة الجامعية ولم تحاول أن تتعرف عليّ طوال هذه السنوات الخمس، لا في الأمسيات الطلابية، ولا في غيرها.
توليا: لأنني كنت أراقب، وأقارن.
سفيتا: وبعدها، أخذت قرار التعيين، وسافرت إلى مدينة سفيردلوفسك. لو كنت تهتم بي، لما سافرت؟ أليس صحيحاً؟. “إذا أحبّ الإنسان، لا يسافر بعيداً” هكذا كتب غريبويدوف. هل تذكر؟ لقد قرأ علينا الأستاذ مامونوف محاضرة حول ذلك الموضوع.
توليا: كنت أقوم بعملية إنتقاء طوال تلك السنوات، وكانت الترشيحات تسقط الواحدة تلو الأخرى.
سفيتا: يعني، للنساء وظيفة في هذ العالم، وللرجال وظيفة.
توليا: عندما سافرت إلى مدينة سفيردلوفسك لم أكن قد قررت شيئاً.
سفيتا: لم تنجح ولا واحدة في الإختبار؟
توليا: سافرت إلى سفيردلوفسك، ولم أكن قد قررت شيئاً.
سفيتا: لو أنك أحببت ولو واحدة، ما سقطت في الاختبار.
توليا: لا يمكنني أن أحبّ أحدأ، فلا داعي للحديث عن ذلك. لا أستطيع أن أحب، لأنني مشوه روحياً. بهذا المعنى، لا أقدر أن أحب. يومها صارحتك، وقلت لك، أنا لا أحب أحداً، وكنت أريد الزواج منك، أقصد أردت.
سفيتا: والآن لا تريد؟
توليا: اليوم تزوجت.
سفيتا: يقولون، يمكن اختبار صدق الزواج هكذا: يسألون الزوج، هل تقبل بأن تتزوج للمرة الثانية من زوجتك الحالية ؟ فماذا كنت ستجيب؟
توليا: أنت تصلحين لي، ومن خلال مراقبتي، فأنت من أحتاج اليها. لقد رأيت الكثير في حياتي، تفهمين قصدي؟ دخلت الجامعة وأنا في الخامسة والعشرين.
سفيتا: لقد أخبرتني عن ذلك.
توليا: وأستطيع أن أعيد من جديد: كانت الترشيحات كثيرة، ولكنها كانت تتساقط تباعاً. ما عداك، ما عداك أنت فقط.
سفيتا: ولكنك لا تحبني، هيا اعترف
توليا: وما هي الفائدة. أنا أتحدث بصدق، ولا أخفي عنك شيئاً. أنت وحدك تصلحين لي، من بين الجميع. ثم، ماذا كان يمكنني أن أفعل يوم تعييني؟ لم تكوني تعرفين عني أي شيء، فهل يُعقل أن أطلب يدك؟ وهل كنت ستوافقين، وقبل التعيين مباشرة؟ طبعاً، لا.
سفيتا: طبعا، لا.
توليا: والآن قبلت بي زوجأ، وهذه هي كل الحكاية.
سفيتا: وهل كانت تحتاج إلى سنتين من التحضير؟ لقد تريثت زمنأ طويلاً، أليس كذلك؟
توليا: ماذا تقصدين بأنني تريثت زمنأ طويلاً، وبأنني قمت بالتحضير. ليس تريثأ، ولا تحضيراً، ولا تذكّراً، أبداً. لم أكن أحبك. بيد أنني لاحظتك ونحن في الجامعة. ثم تمرّ سنتان، وتكتبت لي والدتي إلى مدينة سفيردلوفسك تعلمني أنها تنوي بيع البيت في بلدتنا، بيت العائلة. هذا البيت لم يكن ضمن مشاريعي، لأنه لا شيء في بلدتي يشجع على السكن.
سفيتا: لماذا؟ كان يمكنك أن تعيش هناك.
توليا: في الحقيقة ليس عندي عمل هناك. لقد كتبت لي أمي بأنها تريد بيع البيت والسكن عند أختي تمارا. وطلبت مني القدوم والقيام بإجراءات البيع، ووعدتني بالحصول على الثلث. البيت ممتاز، وتقريباً من طابقين. وهكذا سافرت إلى بلدتي عن طريق موسكو. كانت النقود تلتمع أمامي. فقررت زيارتك.
سفيتا: سبق وأخبرتني عن ذلك بالتفصيل، يكفي!
توليا: لقد ذكرت لك الحقيقة. والآن، ماذا ستفعلين؟
سفيتا: كما لو أنك تختلف عن بقية الناس. الكل يقولون شيئاً ما، ويقصدون شيئاً آخر، ويخمنون بشكل مختلف، ومع ذلك لا يساورهم الشك بأنهم مخطؤن.
توليا: لقد أخبرتك الحقيقة.
سفيتا: أنت تُفضي بكل ما لديك ولا تترك شيئاً، وبعدها، تعيد نفس الحديث.
توليا: صحيح، أنا موافق.
سفيتا: كأن لديك فكرة واحدة، ولا شئ غيرها.
توليا: صحيح.
سفيتا:أنت تشبه الأخرين وتشبهني. وعندما تصرٌ على روايتك هذه، أشكّ بوجود شيء آخر.
توليا: أبداً، لا يوجد أي شيء آخر. أنا، تقريباً، لا أكذب. من الممكن ألا أقول الحقيقة، إذا كنت جاهلا بالأمر. أما إذا كنت أعرف، فإني أقول الصدق.
سفيتا: أنت تعرف بأن المسألة ليست هكذا، وليست كما تقول. أنت تعرف ذلك حق المعرفة، وأنا أعرف.
توليا: (بأسلوب رتيب) لا شيء مما تقولين. لقد دخلت الجامعة وأنا في الخامسة والعشرين، يعني، كنت كبيراً بالسن، فقررت أن أتزوج، وبما أنني كنت حذرا، بحكم السن، فقد كانت الترشيحات تتساقط الواحدة بعد الأخرى، ومع اقتراب موعد التخرج، لم يبق أحد غيرك أنت. كنت أعرف بأنني لست قادرا على الحبّ، وأشعر، بعد فترة، بالكراهية تجاه الفتاة التي أراقبها. أما بخصوصك أنت، فلم يكن عندي هذا الشعور. فقط أنت. في البداية، لم يكن في قلبي شيء نحوك. مجرد دفق شعوري هادئ ومستديم، وبعد ذلك، أخذت أقلّب المسألة في عقلي، وعرفت بشكل ضبابي، أن لهذا الدفق الشعوري الهادىء والمستديم، أهمية ما. أقصد، أن هذا الشيء الضبابي، كان الأثمن والأهم عندي من أي شيء آخر، ومن أية علاقة أخرى. لكننا تسلّمنا التعيين الوظيفي، وبقيت أنت في موسكو، لأن والدتك كانت مريضة. لم أستطع أن اقترح عليك شيئاً، وهكذا، انتقلت إلى سفيردلوفسك. أقصد، لقد بدأت أحسّ بشيء ما نحوك، واستمر ذلك الشئ في سفيردلوفسك.
عملت هناك لمدة سنتين، وظلت عندي نفس المشكلة، لم أعجب بأية واحدة. أما أنت، فكنت في ذهني دائماً، وكنت رصيدي الباقي بعد أن سقطت كل الفتيات من حسابي. وهنا كتبت لي أمي عن نيتها في بيع البيت، وأخبرتني بأن ثلث المبلغ سيكون من نصيبي. وعلى الفور، تركت العمل، وألغيت سند إقامتي في مدينة سفيردلوفسك. لقد كان عقلي يعمل بكل دقّة، فسافرت لبيع البيت وكان لي مرور بموسكو. لم أكن أعرف كم يساوي في بلدتي، البيت المؤلف من طابقين. هناك مبلغ ما كان ينتظرني، وعلاوة على ذلك، كنت قد أدّخرت بعض المال في سفيردلوفسك. مررت بك في المكتبة، وطلبت منك الزواج، وسألتك أن يكون ردك في الغد، حتى أستطيع التقدم بطلب عقد الزواج، فوافقت. وهذا ما حصل.
سفيتا: وماذا لو أنني لم أوافق؟
توليا: كنت ستوافقين. كنت واثقاً.
سفيتا: إلى هذه الدرجة؟
توليا: طبعاً.
سفيتا: لم تشكّ أبدا؟
توليا: أقول الحق، كنت أعرف ذلك منذ البداية. كنت واثقاً لأنك، أنت هكذا .
سفيتا: لأنني هكذا؟
توليا: هكذا، كما أنت.
سفيتا: لكنك لا تحبني؟ أليس صحيحاً؟
توليا: لقد أوضحت منذ قليل، وإذا أردت، أعدّت عليك من جديد. لم أخدع نفسي يوما. كنت أجري التحليلات طوال خمس سنوات، وكانت جميع الترشيحات تتساقط الواحدة بعد الأخرى.
سفيتا: أرجوك. يكفي! لقد سمعت هذا من قبل. لم يكن هذا هو كلّ شيء، ولم يكن كما تقول.
توليا: هذا هو كلّ شيء.
سفيتا: الحق، أنك كنت تحبّ في الجامعة.
توليا: أنا؟ من؟
سفيتا: أنت تعرف.
توليا: أنا؟
سفيتا: كنت تحب كوزنيتسوفا.
توليا: لا.
سفيتا: لكنها تزوجت من كوليا لوباتشاييف.
توليا: أبدا!
سفيتا: لقد تزوجت منه.
توليا: أقول: أبدا، لم أكن أحبها. لا يمكنني أن أحبّ أحداً، لا أستطيع، هذا فوق طاقتي.
سفيتا: بالمناسبة، لقد أخبرتني كوزنيتسوفا كيف عرضت عليها الزواج وأنتما على الدرج. لقد أخبرتني.
توليا: لا!
سفيتا: أخبرتني، أخبرتني، إهدأ!
توليا: قلت لها: “تزوجي” ولا أكثر من ذلك. ببساطة قلت: “تزوجي”.
سفيتا: بالضبط.
توليا: كانت نصيحة.
سفيتا: قلتها لي أنا أيضاً.
توليا: ليس بالضبط. هناك فرق.
سفيتا: ببساطة… كنت على علم بطريقة صياغتك للطلب.
توليا: لم يكن بالضبط هكذا، المسألة لها علاقة بالنبرة وبالموقف. قلت: “تزوجي”، فأجبت:”منك؟”، قلت: “نعم”، أما كوزنيتسوفا فنصحتها: “تزوجي” فأجابت: “من أتزوج”، فالتزمت الصمت. الصيغة مركّبة وتتألف من: ” تزوجي” ومن “موافقتي” عندما تكون دعوتي هي للزواج. أما اذا كانت لمجرد النصيحة، فأنا لا أنطق بالكلمة الثانية. لقد نصحت الكثيرات بنفس الطريقة.
سفيتا: وأحببت الكثيرات.
توليا: من جديد، لا. لم أحبّ كوزنيتسوفا، لأنني غير قادر على الحبّ، هكذا خُلقت. أيام المدرسة، كان التلاميذ يحبّون، أما أنا فلا.
سفيتا: كنت تحب فريدة الأزرية.
توليا: ماذا!
سفيتا: كنت تزورها، أليس صحيحاً؟
توليا: أنا رجل، تفهمين معنى ذلك؟
سفيتا: كنت تهيم بها حبّاً، وهي من قامت بطردك.
توليا: تركتها من تلقاء نفسي وبإرادتي، فهي لا تناسبني بأي شكل من الأشكال. كلما أمعنت فيها النظر زدت عنها ابتعاداً. لقد أخبرتك عن تلك الترشيحات، وكيف كانت تتساقط الواحدة بعد الأخرى.
سفيتا: ألا توجد أية ترشيحات أخرى؟
توليا: يا إلهي، ما بك! انني رجل أدى الخدمة العسكرية في غواصة، وأشكر الرّب لأنهم سرّحوني بسبب إرتفاع ضغط الدم. ماذا كان عليّ أن أفعل؟ ذهبت للعمل على الحفارة في سهوب كازاخستان، وهناك لم نر من النساء غير الطاهية المتزوجة وكان لديها عشيق، وكانت في الثالثة والخمسين من عمرها! برأيك، بعد معاناتي، وانتسابي إلى جامعة موسكو، ألن أنظر إلى النساء؟
سفيتا: وما هي بقية الترشيحات؟
توليا: طالبات الفصل! وبصورة أدقّ، طالبات الكلية والسكن الجامعي.
سفيتا: أنت لا تقول الحقيقة.
توليا: أنا لا أكذب إلا في الأمور التافهة.
سفيتا: أنت لا تقول الحقيقة. الواقع، أنك كنت تحبّ.
توليا: لا أستطيع أن أحبّ، ولست أهلا لذلك. أنا لا أقدر على الحب. آه! لقد بدأ ضغطي يرتفع! أشعر بتشنج في رقبتي. يبدو أنها ستمطر. وجهي يحمرّ.
سفيتا: ستقع أمي تحت المطر.
توليا: من خلال ضغط دمي، يمكن التنبؤ بهطول المطر، قبل أن ينزل بخمس دقائق. هل احمر وجهي؟
سفيتا: سوف تبتل أمي بسببي.
توليا: هل إحمر وجهي؟
سفيتا: ليس كثيراً.
توليا: ربما، لن يهطل المطر. يجب أن تنظري جيداً. انظري!
سفيتا: لا أعرف.
توليا: أنظري جيداً.
سفيتا: قلت لك، لا أعرف.
توليا: وأنت، إحمرّ وجهك.
سفيتا: ربما سيهطل المطر مصحوباً بالثلج؟
توليا: لا أعرف، ماذا سيهطل.
سفيتا: ببساطة، لقد أحببت الجميع، ما عدا واحدة.
توليا: من؟
سفيتا: غير مهم.
توليا: إنني لم أحبّ أحداً.
سفيتا: ولكنك كنت مُعجباً.
توليا: بمن؟
سفيتا: بالمرشحات.
توليا: لا اختلف معك. المرشحات، بالطبع أعجبنني، كنت إنسانا متوحشا جاء من مدرسة داخلية.
سفيتا: هل يوجد فرق إذا سمّينا هذا، إعجاباً أو حبّاً؟
توليا: الحبّ والإعجاب مفهومان مختلفان، ببساطة مختلفان.
سفيتا: من أين تعرف؟ طالما أنك لم تحبّ يوماً فأنت لست قادراً على المقارنة.
توليا: أقول لك بصدق، أنا لم أحبّ أحداً في حياتي، لأنني، ببساطة، لا أقدر أن أحبّ. من هذه الناحية أنا مشوّه.
سفيتا: تعال نسمّي إعجابك حباً. ببساطة سوف نسمّيه هكذا… التسمية ليست مهمة. بما أنك أحببت الجميع فقد أحببتني أنا أيضاً؟
توليا: لا أستطيع أن أحبّ.
سفيتا: ألم تكن معجباً بالترشيحات؟
توليا: في البداية… نعم. وبعدها، كنت أشعر بشئ ما يُبعدني.
سفيتا: لم يكن يبعدك أي شيء وإنما كنت تُبعد.
توليا: أبداً. كنت أشعر وكأن شيئاً ما كان يُبعدني. وكنت استخدم كثيراً هذا التعبير في ذهني: من جديد أشعر بشيء ما يُبعدني. وهكذا كنت ألغي ترشيحاً بعد الآخر.
سفيتا: وميّزتني من بين الجميع؟
توليا: إلى حدّ ما، نعم.
سفيتا: وكنت معجباً بالجميع.
توليا: لقد ميّزتك من بين الجميع ولكن بعد فترة من الزمن.
سفيتا: قبل حفلة التخرج المسائية؟
توليا: قبل الحفلة؟ كلا، بعدها، بعدها بزمن طويل. لقد بدأت التفكير بك جدياً في مدينة سفيردلوفسك. كنت تناسبيني، وتبعثين الطمأنينة في نفسي، وكنت أتذكرك باعتبارك فتاتي الوحيدة.
سفيتا: لكنك في حفلة التخرج رقصت مع فريدة.
توليا: كانت ستسافر نهائياً، وكانت رقصة وداعية.
سفيتا: أما كوزنيتسوفا فقد كان حملها قد ظهر.
توليا: تصوّري أنا لا أتذكر. أما أنت فتتذكرين كلّ شيء.
سفيتا: دعنا نلخص الأمر على الشكل التالي: لقد أُعجبت بكل الفتيات، ولنقل، أنك أحببتهن.
توليا: من جديد، كلا.
سفيتا: وميّزتني من بين الجميع. فقد كنت بمثابة المثال النقيض.
توليا: أجل، أنت تختلفين. لقد قلت لك ذلك. (تغوص في صمت عميق) سفيتا، سفيتا، ما بك؟
سفيتا: ولهذا فكرت بي على أنني خيارك الأخير، يوم لا يبقى أمامك خيار. الخيار الأخير الذي لن يخذلك بأي حال من الأحوال. أليس كذلك؟
توليا: (يقترب من سفيتا) تعالي إلى هنا! ( تبتعد بحركة التفاف حول الطاولة)
سفيتا: الطريق السهل والبسيط تركته لقادم الأيام، حيث لا رفض ولا تخجيل. أنا التي لم تكن تحبها.
توليا: أنا لم أحبّ …(يجلس) ما هو الحب؟ وما هوالجيّد فيه؟ ماذا يعطي؟ أنظري إلى كوزنيتسوفا، بعد أن أحبت كوليا حباً عاصفاً وتزوجته، صار أحدهما، يشير للآخر بهذه الاشارة ( يدوّر سبابته عند صدغه)، وتسميه مختلا جنسياً، وطفلا متباكياً.
سفيتا: من أين عرفت ذلك؟
توليا: لقد نمت عندهم ليلة… ليلتين.
سفيتا: تقصد، كنت تختفي عندهم.
توليا: لماذا أختفي؟
سفيتا: وماذا تسمّي ذلك ؟ إذا كنت تتصل قبل يومين من العرس وتختفى. طبعاً، كنت تختفي. كان يمكننا أن نمضي الوقت معاً، وننجز بعض الأمور.
توليا: بعد شراء الخواتم، ماذا كان يمكنني أن أفعل أيضاً؟ لقد اشتريتها منذ شهر وأعطيتك إياها
سفيتا: وماذا عن الشهر الماضي؟
توليا: كان شهراً جيداً وعشته بشكل ممتاز، وفيه أنجزت الكثير، وكنت أحلم بلقائك.
سفيتا: وعندما وصلت إلى موسكو، لماذا لم ترغب بلقائي؟ واكتفيت بالاتصال وقلت: نلتقي في الحادي عشر ومعي الشهود.
توليا: حجزت على العشاء في المطعم.
سفيتا: كنا أمضينا الوقت معاً في الفرجة والتنزّه.
توليا: دعينا من الماضي! المهم الآن، لقد تزوجنا من دون أية عوائق، ولم نبدل قرارنا. لو أننا إلتقينا قبل العرس، ربما، دخلنا في القيل والقال.
سفيتا: ها نحن في القيل والقال.
توليا: لقد صار خلفنا الان.
سفيتا: كان شهراً جميلاً! وأوراق الشجر كانت فوّاحة.
توليا: حقاً؟
سفيتا: كنت أنام قليلا
توليا: لقد إنتهى كل ذلك.
سفيتا: ما إن وصلت حتى ذهبت لتنام عند كوزنيتسوفا. ذهبت لرؤية حبّك القديم.
توليا: كنت مضطراً .
سفيتا: لم تكن مضطراً.
توليا: كيف لم أكن مضطراً؟ أليس من حق الإنسان أن ينام ويرتاح.
سفيتا: كان يمكنك ان تنام عندنا.
توليا: لم يكن ذلك مناسباً.
سفيتا: ألن تنام عندنا اليوم؟
توليا: نعم. اليوم تزوجنا وسجلنا العقد.
سفيتا: اليوم. لا حرج.
توليا: اليوم. شرعا.
سفيتا: شرعا، وبلا حرج، وبدلالة القانون. وقعنا العقد، ولكن… ظل كلّ شيء كما كان.
توليا: العقد يغيّر أشياء كثيرة.
سفيتا: الآن، صار لك الحقّ؟
توليا: طبعاً.
سفيتا: كيف يمكنك ذلك؟ أنت لا تحبني، كيف يمكنك لمسي؟
توليا: كما يلمس الرجل زوجته. (لا يتحرك من مكانه) أنت زوجتي.
سفيتا: لا تقترب مني، أنت لا تحبني.
توليا: الآن عرفتك.
سفيتا: كنت تظن بأن غيري يمكنها أن تتخلى عنك، أما أنا فلا يمكنني؟
توليا: الآن عرفت، لماذا لم يقرر الاثنان الزواج منك.
سفيتا: مائة وخمسون إنسانة قلن لك: مرفوض!
توليا: كانت لديهما أسباباً وجيهة، وكان هذا احساس الأول والثاني. الآن عرفتك.
سفيتا: كم استمتعت كوزنيتسوفا في الحديث عنك، وأنت واقف على الدرج تكرر مرتجفاً: ” تزوجي”، وكانت تُجيبك: “ومن سيقبل بي، لا أحد، لا أحد يحتاجني”. وخفت أن تقول لها: ” أنا أحتاج إليك”، لأنك كنت تعرف، كيف سيكون رّدها.
توليا: هل بدأ وجهي يحمر؟
سفيتا: نعم.
توليا: سينزل المطر.
سفيتا: سوف تبتل أمي، لم تأخذ معها المظلة. الآن بدأت أفهم لماذا، أمضيت هذين اليومين في موسكو، من دوني. كنت خائفاً، من رفضي لك.
توليا: لا. كنت خجلاً من والدتك.
سفيتا: تعرف وضعي ورضيت به. وأخبرتك بأن والدتي ستعيش معنا، وأنني سأظل معها حتى عندما يجهز بيتك في الجمعية السكنية.
توليا: عيشي معها، لا أحد يمانع.
سفيتا: سأنام الليلة مع والدتي. وأنت تنام على شراشفك النظيفة والمكوية، وغداً نلغي عقد الزواج.
توليا: سأذهب لأنام عند كوليا.
سفيتا: لماذا؟ ستكون مضطراً لاخبارهم عن السبب، لا داعي. إبق الليلة هنا. تستطيع النوم في سريري وسوف تجده مريحاً كما في عربة قطار. لن تجد من تقبل بك.
توليا: ليس معروفاً بعد، من منا كان الأكثر حظاً.
سفيتا: أسمع؟ جهّز حقيبتك وإنصرف. قل لهم إنك تخلّيت عن فكرة الزواج.
توليا: لا داعي للتجهيز، فهي على حالها.
سفيتا: إنصرف.
توليا: متى نلغي العقد؟
سفيتا: لا أعرف، ليس عندي فرق. إذهب وقدّم الطلب، وأنا سأقدم الطلب. لن نذهب مثل أسرة متحابة.
توليا: كما تريدين.
(تدخل يفجينيا إيفانوفنا)
يفجينيا إيفانوفنا: مساء الخير.
سفيتا: ماما؟ لم عدت مبكرة؟
يفجينيا إيفانوفنا: مساء الخير.
سفيتا: المساء في أوله.
يفجينيا إيفانوفنا: مساء الخير.
توليا: مساء الخير.
يفجينيا إيفانوفنا: مساء الخير يا صهري.
سفيتا: ماما، هل حدث شيء؟
يفجينيا إيفانوفنا: هل بكرت بالعودة؟ كنت أنوي الذهاب إلى بودولسك، لكن قلت لنفسي، كيف أذهب من غير دعوة، ومن غير إعلام مسبق، لم نحن نختلف عن بقية الناس، وكل شيء يهبط علينا هكذا فجأة: الحذاء، الفستان، المبيت. أذهب، من تلقاء نفسي، لأنام عند الناس. من يكونون بالنسبة لي. بالمناسبة، عندي سرير، ولن أضايق أحداً. سوف أسد أذني. أنا أعيش هنا، ولن أترك هذا المكان ولو متم غيظاً.
توليا: أنا سأذهب، فلا تهتمي.
يفجينيا إيفانوفنا: لن أضايق أحداً. يمكن أن تفعلا كل ما ترغبان به.
توليا: أنا سأذهب نهائياً.
يفجينيا إيفانوفنا: آ، تريد أن تذهب، إذهب. أنت منذ البداية لم تكن تعجبني، وكنت أسأل نفسي، ما الذي يعذب سفيتا. تريد سند إقامة في موسكو، هذا هو الموضوع، يعني هو مجرد زواج زائف.
توليا: لماذا زائف.
يفجينيا إيفانوفنا: لا تحاول أن تخدعني. ألم تجد أغبى من ابنتي للزواج منك.
توليا: ماذا تقولين؟
يفجينيا إيفانوفنا: لسنا بحاجة إليك. سوف نعيش بشكل رائع! برغم سننا ومرضنا سنعيش. ثلاثون عاما، من دون رجل، وأنا أنام في سرير بارد، وهي ستنام مثلي. هذا أفضل من العيش معك. ليس من ورائك غير المتاعب. هيا إذهب.
سفيتا: ولماذا يذهب؟ ليس عنده مكان يذهب إليه. إن له الحق في البقاء هنا.
يفجينيا إيفانوفنا: هو يريد الذهاب، ألا ترين ذلك؟
سفيتا: لا تتدخلي؟
يفجينيا إيفانوفنا: هذه غرفتي، وليس للغرباء حقّ فيها. لقد رأيت، ولم أكن عمياء. السرير كما هو، لم يمسّ. لقد تزوجت منه زيفاً. لِماذا جلبت العار على نفسك! هل تريدين الحصول على ختم لبطاقتك الشخصية بأنك متزوجة؟
توليا: ليست زائفة! لسنا زائفين.
سفيتا: لعل من الأفضل لنا أن نذهب؟ توليا، لنذهب من هنا.
يفجينيا إيفانوفنا: ماذا تفعلين! لن أقبل به، إنه وقح. سيحصل على الإقامة، وبعد بناء الشقة، سيقوم بطردنا. لن أسمح بهذا. سيكون سعيداً بالذهاب. هيا، هيا. بعد أن أقام يوماً واحداً في موسكو، طلبَ منها الزواج، فوافقت. وبعدها غاب دون حسّ أو خبر. وأنت، كنت تنتظرين وتركضين عند سماع الهاتف. إذهب، ولا تقف في طريقي. (تهجم على توليا، فيتراجع نحو الباب).
سفيتا: توليا، انتظر، سألبس حذائي، انتظر. (تنتعل الحذاء وهي تتألم)
توليا: البسي غيره، إنه يؤلمك.
يفجينيا إيفانوفنا: إلى أين أنت ذاهبة خلفه؟
سفيتا: هل ألبس الحذاء القديم؟
توليا: من غير المعروف، كم سنسير.
يفجينيا إيفانوفنا: إذهب، إذهب، خذ حقيبتك، هيا، إذهب. (تمنع سفيتا من الخروج)
سفيتا: انتظر، سأجمع بعض حوائجي.
توليا: كل شيء موجود هنا، وإذا احتجنا شيئاً، نشتريه صباحاً.
سفيتا: يجب أن نوفر في المصروف.
توليا: خذي المعطف، سينزل المطر.
سفيتا: وجهك احمرّ.
توليا: رأسي يؤلمني.
يفجينيا إيفانوفنا: إذهب. (تدفعه نحو الخارج)، (يحاول أن يفتح الباب عنوة ) سحقاً لك.
سفيتا: (تمسك به من يده الممدودة عبر فرجة الباب) توليا!
يفجينيا إيفانوفنا: هاهي الحياة قد بدأت.
( توليا وسفيتا يخرجان)

 

النهاية

نشرت أولا في العدد رقم 11 من مجلة كيكا للأدب العالمي (الطبعة الورقية).

تعريف:

Ludmila Petrushevskaya for kikah web

ولدت الكاتبة في مدينة موسكو عام 1938 في أسرة أستاذ جامعي. بدأت نشاطها الأدبي في كتابة القصة القصيرة وعملت محررة في التلفزيون المركزي. في منتصف السعينيات من القرن المنصرم سطع نجمها ككاتبة مسرحية وقدمت في عام 1977 مسرحيتها الشهيرة “دروس في الموسيقا” فنالت شهرة واسعة. وتتوالى أعمالها المسرحية، ويتسابق كبار المخرجين على تقديم نصوصها المسرحية، من أمثال: مارك زاخاروف، يوري لوبيموف، رومان فيتيوك… جرى عرض هذه المسرحية عام 1984 وكانت من إخراج يوري لوبيموف. ولا تزال هذه المسرحية تثير خيال المخرجين لما تمتلكه من بنية درامية ونفسية عالية.

ضيف الله مراد، مترجم سوري مقيم في موسكو، ترجم العديد من المسرحيات والاعمال الأدبية من الروسية الى العربية.

SHARE