
اتضح أنّ الفكرة لم تكن سوى عجلة عربة
عالقة في الطين، والحقول غير المحروثة تمتدّ للأفق، بينما
تابع رجلان في حانة شرب التوشكا* وتذكّرَ إنجازهما الوحيد
في الحياة: إغواء عذراء على قاعدة تمثال فارغة
حيث وقف ستالين مرّة.
صحيفة ذا ستايت** هي ذراعُ رجلٍ عجوزٍ ذاوية.
~
الابن الوحيد الناجي ليسوع المسيح كان كارل ماركس
تستدلّ على ذلك من آخر حرفٍ في اسمه،
الذي له الشكل والتوازن الهشّ لصليبٍ مقلوبٍ
على تلّة تكنسها الريح. إنّه علامة نهاية الأشياء.
من خشبٍ يتعفّن ويتداعى. القيصر كوب شاي محطّم،
مشكلة الفكرة الجيّدة أنّها يجب أن تنجح:
ابن يسوع الناجي الوحيد يحيا الآن عموماً
في أقسام الأدب الإنجليزيّ والقبور المهملة.
ما زلت أتذكّر شيئاً قاله، لا أجده أبداً مكتوباً
حين أحاول البحث عنه، وهو : ” لا يجب أن يكون الجنس
أهمّ من كأس ماء “. يبدو نوعاً ما كشيءٍ
قد يقوله المسيح، لو أنّ المسيح يتمتع بحسّ الدعابة
مقبض الأرجوحة الفارغ الذي كان من المفترض أن يُدفَع إليه
لم يصل، لذلك صار جسده الممدود ذاته
أرجوحة سيرك مسودّة. البهلوانان الآخران كانا لصّين.
~
زميلي أوتو فِـك، الذي كتب قبل عشرين عاماً
محاضراتٍ عبقريّة على الهواء، كان أحياناً
يتوقّف، ويبدو كمن يستعين بملاحظاتٍ متروكةٍ
على المنصّة، ثمّ يتابع. مرّةً صعد طالب
بعد المحاضرة لينظر إليها، فوجد ورقةً
بيضاء فقط، لا شيء هناك.
“نظرياً، أنا أؤمن بماركس. في الواقع، زوجتي
يتوجّب عليها إجراء خزعةٍ ثانيةٍ الأسبوع المقبل.
الواقع هو إنكار. يوماً ما ينتفخ
أمامك، السماء، ضوء الشمس الذي يغمر كلّ شيء،
المواصلات، الأطفال على ألواح ركوب الأمواج منتظرين
إنطلاقةً أخرى كبرى من سان أونوفر*** . كلّ ذلك ما يزال هناك…
هناك من أجل شخصٍ آخر، ليس من أجلك ” هذا
ما أخبرني به صديقي أوتو، ونحن في السيّارة إلى العمل.
~
ذات مرّةٍ عملت في الكروم مع رجالٍ، تُدفَع لهم
أجورٌ هزيلةٌ كالماء، نقودٌ تتبخّر وتتعالى كالحرارة.
أقاموا في صفوفٍ من الأكواخ المرتجلة نقلها المالك
إلى كرمٍ هرمٍ لم يعد يكترث لقطافه.
وفيه عند الغسق، جوعٌ مرئيُّ مندفعٌ
يتسابق على طول أغصان الأشجار المحيطة بهم
يراقبه أطفالهم إلى أن تبدو شجرةٌ بأكملها
كأنّها تختفي تحته. هناك العديد منهم.
حينها تطير الجرذان فوق أرجوحة سيركٍ مقزّزةٍ من الأوراق
والشجرة تسوّد فجأةً. يبدو المشهد
كماءٍ بنيّ يتلاطم بصمتٍ، ويسيل في كلّ مكان
قبل أن يسود الظلام بأيّ حالٍ، ويدخل الأطفال أكواخهم.
” كانت الجرذان في الكرم أكثر من الخرز في كلّ مسابح الموتى
واظبنا على لاعتراف طيلة الوقت لأنّنا اعتقدنا
أنّنا قد نختفي
تحت تلك الأشجار. كانت هناك عرّافة في المخيّم لكن
لم نعد نذهب إليها.
لم تستطع التنبؤ بشيءٍ، وتبكي دائماً عندما
نسألها سؤالاً “
قالت لي امرأةٌ أقامت هناك فترة.
كلّ ثورةٍ تنتهي، أو أنّها تبدأ، في الذاكرة:
شخصٌ ما يتذكّر اضمحلالها، ألمها، وكيف
بدا حذاؤها البالي في الضوء الشاحب،
كيف استنشقت برادة الفولاذ في الكوخ المدقع
طيلة ثلاثين عاماً دون أن تشتكي ولو مرّة،
كيف كان بمقدورها أن تقوم بالأشياء بطريقةٍ مختلفةٍ، لكنّها لم تفعل
كيف فات الأوان لتغيير الأشياء الآن، كيف أنّه لم يفُتْ.
* Tsuica مشروب كحولي روماني تقليدي يصنع من الخوخ
** The State صحيفة مشهورة في ولاية جنوب كارولاينا يوزع منها 56 ألف نسخة يوميا
*** San Onofre شاطئ في كاليفورنيا توجد فيه محطة نووية
لاري ليفس Larry Levis شاعر أمريكي غيّبه الموت عن عمر 49 عاماً سنة 1996 كان ابناً لمزارع عنب نشأ يسوق التراكتور ويعتني بالكروم ويقطفها مع العمالة المكسيكية المهاجرة. يحمل إجازة دكتوراه في الأدب الانجليزي، حصلت قصائده على عدة جوائز.
د. رشا صادق شاعرة ومترجمة من سوريا