محمد خشان: رحلتي الى اليابان، بلاد الشمس المشرقة

Khachan in Tokyo 1
محمد خشان في طوكيو

 

كان الله في عون طائرات الركاب فهي على ضخامتها تحوي في باطنها آلاف الحقائب المختلفة الألوان والاشكال والاحجام. هذا الى غير ما يحمله الركاب معهم من حقائب تدس فوق رؤوس الركاب وكثيرا ما تسقط عليهم ويدهشك تجهمهم وتكشيرهم عند الدخول وتدافعهم عند النزول ولا تدري لذلك سبباً.
ومع ان ثمن التذاكر يرتفع فالخدمات تنخفض، ففي السنة الماضية وعلى نفس الشركة كان الطعام أوفر والخدمة أفضل مع ان المضيفات كن شقراوت في الرحلتين. في العام الماضي لفت نظري خفة ظلهن ولباقتهن.
في خريف العام 2014 سافرت الى اليابان بعد أن شرفتني جامعة سايكي بدعوتي الى مؤتمر عن الأدب العربي والثقافة العربية وكذلك المشاركة في مهرجان اسمه “ايام فلسطين في طوكيو”. الشمس المشرقة واليابان تعيش في وجداني منذ كنت صبيا صغيرا في العاشرة او دونها كانت لفظة الخام الياباني لفظة شائعة في قريتي “سحماتا” قضاء عكا. كما أني رأيت امرأة تحمل زجاجة عطر عليها صورة للميكادو وكنا نعرف ان الميكادو هو امبراطور اليابان وهو يحمل صفة مقدسة ونسمع بكلمات الكاميكاز والهري كاري هذا في فلسطين، أما بعد نكبة فلسطين وتهجيرنا الى لبنان فقد بدأت تنتشر الصناعات اليابانية واكثرها رواجا راديو ترانزستور وغيرها من الراديوات الرخيصة الثمن السهلة الإستعمال، ولولا اليابان لبقيت الراديوات وقف على الأغنياء، وفي اواخر الخمسينات شاهدت مجسما لسيارة تويوتا حمراء اللون في اعلى بناية في الناحية الشرقية من ساحة البرج وهي الاشهر في بيروت وفي لبنان ولكن الأثرالأكبر في نفسي هو التقدم المبكر لليابان وتفوقها على الغرب الذي كان يصفنا ويعلم طلابه بأننا متخلفون ليس لقلة في المدارس والجامعات بل لأن العقل الشرقي متخلف ومختلف عن العقل الغربي.
حي الله اليابان، حقا انها بلاد الشمس المشرقة والشمس تعرف من اين تشرق وترسل بنورها الى الدنيا. كما تقدم اليابان للدنيا حضارتها لكل الدنيا وكل يوم نسمع باختراع جديد وقد كرمتني اليابان بأن سمحت لأبنتي بمصاحبتي فلم أعد اقوى على القيام وحدي بما يلزمني.
أعود واقول ان الرحلة على طولها خمسة عشرة ساعة وهو دون الرحلة الى استراليا واكثر أمنا من الذين يغرقون في البحار بحثا عن لقمة العيش في الغرب، في حين ان الغرب هو الذي أفقرنا ونهب ثرواتنا وأجج الفتن في بلادنا واتهمنا بالتخلف في حين انه لم يبق شيئا في بلادنا إلا ذهب نهبا واخيرا جاء دور الآثار بعد ان نهب ولا يزال ما تخرجه الآبار.
لم انتبه يا أخي إلا وأنا فوق الهند مررت بحيدر آباد وأحمد آباد والله آباد ودلهي وقد ذكرتني دلهي كيف ضحك علينا الهنود عن طريق مكتب وهمي يعد قصار القامة بالطول المديد والعيش السعيد، فأرسلنا الدولارات ولم نعد نتلقى جوابا وفاز الهنود بالمال الذي طوّل أعمارهم.
لا أريد ان أطيل عليك واقول ان ابن بطوطة سبقني بمئات السنين الى الهند، وقد رأى امرأة تحرق نفسها بعد موت زوجها وهي العادة المتبعة ومن لا تحرق نفسها تنزوي في بيت أهلها ذليلة مهانة، ولا شك أخي القارئ انك تعرف ان “كليلة ودمنة” هندي الأصل، مترجم الى الفارسية ومنها الى العربية على يد ابن المقفع، كما ان “ألف ليلة” هي من أصل هندي ايضا واسمها “هزار افسانة” أي ألف خرافة ثم تناولتها الاقلام وحورت وزادت عليها عبر أجيال حتى اتخذت شكلها النهائي والبارز فيها يظهر عليه الاسم والاسلوب العراقي وآخر يظهر عليه الاسلوب المصري ومنه قصة معروف الاسكافي وأبو صير وأبو قير.
فلنتابع الطيران. ها نحن نمر بمدينة شنغهاي في الصين ثم نقطع البحر الأصفر وقد لفت نظري ان أسماء الكثير من البحار هي أسماء ألوان من البحر “الأبيض” الى البحر “الأحمر” الى البحر “الأسود” الى البحر “الأصفر” ولعل هذا يهون على طلاب المدارس حفظها.
ها نحن نهبط في مطار “ناريتا” في طوكيو وتفرغ الطائرات ما في جوفها من ثقل حقائب وثقل دم الانسان. وصلنا الأمن العام وأنا جالس على عربة وان كان فيها راحة ولا استطيع المشي بدونها ألا انها تشعرني بالعجز والخجل، فأين أنت يا مهرجانات عكا في فلسطين حين كنت أعدو كالغزال. قدمنا جوازات سفرنا أنا وابنتي الصغرى نهى وأمامنا شاب ممشوق القوام على أدب وتهذيب ودقة في العمل، نظر في الجوازات طويلا وسأل عن لبنان أين يقع، وأظنه استخرج موقعه من الجهاز الذي أمامه ولا أدري ان كان الحرف الياباني والذي يكتب من أعلى إلى أسفل هو ما قدمه العقل الفينيقي الجبار وهو أحرف الهجاء وبدونها لضاعت الحضارات وبقي الانسان أبكم. هذا الى الصباغ الارجواني الأحمر الجميل والذي اهتدى اليه الكلب فالكلاب في بلادنا مبدعة ومكتشفة ولا أدري لماذا قصرنا في أيامنا حتى عن الكلاب.
أعود وأقول دقق الشاب في الجوازات ونقر على الآلة التي أمامه وما أدراك ما هي يكفي أنها صنع اليابان. أخبرته أن هناك رجلان في انتظارنا ثم رأيت رجلا ذهب يعدو مسرعا ولا ادري ان كان ذهب ليتأكد من وجود من يعرفنا في بلاد الشمس المشرقة.
بقي الموظف المهذب واقفا متأملاً ما هذا الذي أمامه هذا ليس جوازاً بل وثيقة وعليها أرزة لبنان والجنسية فلسطيني، وبين فلسطين ولبنان والجواز والوثيقة ضاعت الحقيقة.
هذه هي قضية فلسطين قضية الدنيا كل الدنيا ومن حق الجهاز الياباني ومشغله ان يقفا عاجزين عن حل هذا اللغز.
طال الوقوف الى ما يقرب الساعة وأظن ان الموظف حاول أولا ان يحل المشكلة بنفسه وجهازه، والدول تختار رجال الأمن العام من خيرة رجالها، فهم واجهة البلد دقة وتهذيبا وانجاز عمل. ولكن رجل الأمن وجد نفسه أخيراً أمام ما لا بد منه وهو ان يرفع الأمر الى مسؤول أعلى وجهاز أقدر وبالمعلومات أغنى وأوفر فذهب على مضض ولكن فوق كل ذي علم عليم.
كان عليه ان يدرك ان جهازا واحداً لا يحل مشاكل الدنيا وخاصة قضية فلسطين التي تآمرت الدنيا عليها. عاد الرجل وختم الجوازين ولما كان وصولنا حوالي الرابعة واستغرق الأمر ساعة او أكثر كانت الشمس تميل الى الغروب وسبحان علام الغيوب.

in tokyo tower copy
نهى خشان، جيريمي هارلي محمد خشان

خرجنا وقد نكون آخر الخارجين فوجدنا الدكتور توماياسو أوروشي والاستاذ جيريمي هارلي في انتظارنا بل أقول وجدنا الأدب والتهذيب والذوق والصبر الجميل في انتظارنا، وبعد السلام وضعا أمتعتنا في باص وجلسنا، وفي هذا الباص تستطيع ان تقلب الكرسي لتصبح مقابلا لرفاقك، ولا أطيل عليك فها نحن نصل الى أوتيل متس. جلسنا في قاعة الاستقبال بينما كان الصديقان ينجزان معاملات الأوتيل، ثم اوصلا حقائبنا الى الغرف في الطابق السابع، نهى في الغرفة 719 وأنا في الغرفة المجاورة 718، ومن الشباك نشرف على محطة القطار، قالا ان كنا في حاجة للطعام فأجبنا اننا تناولنا الطعام منذ وقت قليل وأخذ كل منا مفتاحه. واليابان رغم تقدمها بل تفوقها لا تزال تحافظ على عاداتها وتقاليدها.
في صباح اليوم التالي توجهنا الى المتحف وهناك بصمات لأكف المصارعين اليابانيين رافقتنا دليلة وهي تفوق دليلة شمشوم رشاقة وحسن تعبير بلسانها ويديها وعينيها حتى تكاد تفهم ما لا يفهم مرت بنا على تاريخ اليابان وقادته وتضحياتهم وانجازاتهم وما شاهدته بقايا جهاز خشبي وأنابيب خشبية لرفع الماء ولا أنسى الشعلة التي كان يحملها المقاتلون وقبل أن نصل الى المسرح مررنا بمعرض للأزياء من القرن التاسع عشر ثم الى مسرح اثري قديم. مقاعد ومنصة للعازفين، آلات موسيقية من طبول واخشاب مستطيلة ولكنها تصدر صوتا وقد جربتها فإذا الخشب يصدر صوتا كالمعدن وهناك دفوف وصنوج وآلات أخرى كثيرة يعرفها الموسيقي أما انا الجاهل الغافل عن هذا الفن فما ذكرته قد يكون كافياً ومهما يكن فالشرق هو الشرق آلات تشبه الى حد كبير ما هو موجود في بلادنا.
صعدنا الى أحد الطوابق في المتحف والذي يتكون من طوابق عديدة قد تبلغ السبعة على ما أظن وتناولنا الغداء ويقدم الشاي الأخضر قبل الطعام والذي كان في معظمه من السمك أو السوشي.
كان الطقس ممطرا فاشتريت مظلة وهناك عادة بأن تضع مظلتك في مكان له قفل وتأخذ المفتاح معك ولا تنسى أن تأخذ مظلتك عند الخروج. عدنا الى الأوتيل بواسطة القطار النظيف السريع وهو على مستوى الرصيف فلا تتكلف ان تنزل او تصعد درجا كهربائيا او عاديا، والطريق تحيط بها الأشجار على الجانبين وكأن القطار يسير في بستان. ارتحنا حوالي ساعتين ثم عاد جيريمي ليأخذنا الى العشاء كان المطعم قريبا من الاوتيل ولا عيب فيه غير ان درجه طويل ويكاد يكون عاموديا ويشفع له ان طعامه جيد وليس كل الاكل سوشي. ثم اوصلنا جيريمي الى الأوتيل وعلى مدخله جهاز تضع فيه مظلتك فتخرج لابسة ثوبها كما حين شرائها فلا تحتار فيها ولا تلوث الارض بما يتساقط منها من ماء. وهكذا نمنا ليلتنا الثانية.
لا أ ريد أن اتوسع في الحديث عن الاوتيل ونظافته فأنا في اليابان والنظافة جزء من عقيدتهم.
في اليوم الثالث خرجنا بمصاحبة الدكتور توماياسو أوروشي الذي تحتار في ذوقه وانسانيته وتواضعه، وصلنا الى محطة القطار وبعد تجوال في هذه المحطة الرائعة والمرتفعة القبة والتي لا تخطأ العين اللمسة الشرقية اليابانية في معظم ما ترى وعند المدخل تستطيع ان تشتري لعبة جميلة. ومن هناك صعدنا في باص سياحي لم أر فيه عربا غيرنا والمرشد شاب في مقتبل العمر يجيد الإنكليزية ويحمل في يده قضيب قصير في اعلاه شريط أصفر يهتدي به السائحون، قد نكون مررنا بالكثير من معالم طوكيو والدليل يشير الى الأماكن ذات الأهمية الرسمية او التاريخية ثم يخرج من الجد إلى نكته تجعل هؤلاء السياح الغربيون يقهقهون مع اني لم استحسن قهقهتهم. فهي غريبة علي كلغاتهم، وكثيرا ما كنا ننزل من الباص في الأماكن المشهورة ويستفيض الدليل في الشرح ونعاود الركوب والنزول وفي إحدى المرات تطلع الدليل فوجد ان امرأة مع طفلها ليست بين الركاب او لم تصعد بعد فصاح سائلا عنها وقائلا: هذه زوجتي وانفجرنا في الضحك، ومن الأماكن التي توقفنا عندها قصر الإمبراطور أنا لم أر قصرا بل حدائق وأشجار وطريق تؤدي الى القصر فاذا كان رؤساء بلادنا وقادتنا حفظهم الله والحقيقة انه لم يحفظهم كان للواحد منهم عشرات القصور، وأغلب ظني ان امبراطور اليابان يترفع عن هذه المظاهر التي لا تتقدم بها دول ولا يرتفع بها رجال. ومن حسن حظنا اننا رأينا موكب الإمبراطور يقطع جسرا فوق النهر الى قصره ولا تظن ان موكبه يثير زعيقاً وصخباً ويرعب الناس بمرافقيه وحراسه كما يحدث في بلادنا فموكب الإمبراطور هو عربة تجرها الجياد.
بعد هذا التجوال في طوكيو العظيمة ذهبنا الى معبد بوذا بساطة ووقار وأبهة وقاعة ذهبية ويتدلى الذهب كما رأيته من فوق ومن جوانبها. قبل الدخول الى المعبد هناك حوض ماء معلق به اوعية صغيرة بسلاسل معدنية كما رأيت في سبيل الطاسات في جامع الجزار في عكا. ولكن ليس هنا طاسات فهناك الطاسات للشرب وهنا هذه الاوعية الصغيرة يغرف بها المرء الماء ويغسل يديه وما ذلك عن الوضوء ببعيد.
ثم يدخل من يريد الصلاة الى المعبد ويخلع حذائه كما نفعل عند دخولنا الى المسجد، البعض دخل وأنا بقيت مع الواقفين، لم أجد اي شيئ غريبا عن بلادي فالشرق هو الشرق وان كان لي من ملاحظة هو ان هذه البلاد الجميلة والنظيفة عرفت كيف تجعل من الدين سلوكاً- صدقاً واخلاصاً وحفاظاً على الوقت- أما النظافة فهي جزء من العقيدة، وان رحت أعدد أثر الدين في السلوك لاحتاج الأمر الى كتاب.
وقرب المعبد سوق طويل وجميل فيه مأكولات وملبوسات وهدايا وغيرها وقد اشترينا بعض الحلوى اللذيذة ومن هناك انتقلنا الى “طوكيو كروز”، اي الرحلة البحرية. كانت رحلة جميلة استمتعنا برؤية طوكيو من البحر على الجانبين ومبان ذهبية اللون وقد كانت الشمس قد شارفت على الغروب فعدنا إلى محطة القطار. ولا ينسى الدكتور ان يتحفنا بين الحين والآخر بانواع لذيذة من الكعك وأن يزودنا بعلبة خوفا علينا من الجوع ليلا شكرا يا دكتور.
وصلنا الفندق وكان صديقنا على عجلة في العودة إلى بيته. وكنا على موعد مع الدكتورة الفائقة النبل والسمو هيروكو آريما وقد كانت الدعوة الى مطعم فاخر في طوكيو ولكن بناء على نصيحة جيريمي وسوء حالتي الصحية تناولنا العشاء في الاوتيل. وقد أخبرني عماد أن الدكتورة في طريقها إلى تعلم اللغة العربية. شكرا لك وأتمنى أن تجمعنا الأيام ونتبادل تعلم اللغات.
إنتهت أيام النزهات البرية والبحرية وليس كل الأيام نزهات، فقد جاء يوم الجد يوم اقف في قاعة في جامعة سايكي المتميزة أعرض عقلي على الناس، كما قال عبد الملك بن مروان لمن قال له: “لقد عجل اليك الشيب يا أمير المؤمنين، قال: وكيف لا يعجل الي وأنا أعرض عقلي على الناس ثلاث مرات في الأسبوع”.
أما أنا فلا ادري لمَ عجل الي الشيب مع أنني لست أميرا للمؤمنين.
وصلنا الجامعة بصحبة الدكتور توماياسو حدائق وجمال وهدوء ولوحة في أول الجامعة تعلن عن الندوة والمشاركين فيها مع صورهم. دخلنا قاعة فسيحة التقينا فيها بالصديق الأبر صموئيل شمعون فهو كالخضر أو مار الياس ما ان تذكره حتى تجده حاضرا. أعجب لهذا الرجل كيف يجد وقتا ليلف الدنيا مرات ومرات، فلا تعب ولا نصب بل محافظة على هذه الضحكة المجلجلة الودودة. إنتقلنا من القاعة الكبيرة الى صالون الجامعة مع الدكتور ثم جاء الصديق جيريمي ترافقه الآنسة موتوكو وهي مع جيريمي وتانامي أويه ومجموعة من الاصدقاء من نظم القسم الفلسطيني في المهرجان. كم كنت سعيدا وأنا أرى قاعة فيها لوحات وملابس وشعارات فلسطينية. ستبقى فلسطين قضية الحق والعدل ومعيار نبل وانسانية كل انسان.

samuel and khashan in tokyo kikahmag
محمد خشان وصموئيل شمعون في احدى مقاهي طوكيو

حضر المترجم الدكتور موري وهو خريج جامعة القاهرة ويجيد العربية افضل من كثير من العرب العرباء والعرب العاربة والعرب المستعربة.
ثم حضرت الدكتورة ذات الذكاء اللماح تانامي أويه والتي ما أن تراها حتى تظن انك تعرفها منذ زمن بعيد وهي خريجة جامعة دمشق -أعاد الله عزك يا شام-
إنتقلنا إلى قاعة المحاضرات بعد أن اكتمل الحضور وفيهم أكثر من عشرين طالبا من طلاب الدكتور توماياسو المتخصصين بدراسة أدب وثقافة الشرق الأوسط مع كثير من أساتذة جامعة سايكي.
سألوني كيف خرجنا من بلادنا وخاصة من “البقيعة” الى الحدود كما قرأوا في سيرة حياتي وماذا حدث لنا وما هو الحافز الذي جعلني أكتب سيرة حياتي ثم سؤال عن سجن والدي في سجن عكا ومن بين الأسئلة كان سؤال عن علاقتنا مع اليهود وكيف سمعت عن قرار التقسيم بالراديو او الصحف او من الناس ثم سؤال كيف فتشوا والدتي، وكيف بحثنا عن عمل في لبنان.
لا أريد أن أطيل عليك واسرد اجاباتي فما أجبته موجود بالتفصيل في سيرة حياتي في كتاب “الخط الشمالي” (منشورات الجمل)، أخذنا إستراحة نصف ساعة وأثناء فترة الإستراحة تعرفنا الى السيدة توموكو يوشيدا والتي رحبت بنا وهي تعرف ابني عماد في نيويورك، وقد كانت طالبة في جامعة نيويورك ثم عادت لبلادها لتعمل في مجال التغذية والتوعية الصحية والطبية وقد التقطت العديد من الصور شكراً على ذوقك وتكريمك لنا ونحن لن ننسى معروفك. ثم عدنا إلى المحاورة فإذا برجل مديد القامة ممتلئ الجسم يقف ويلقي بصوت جهوري ومعبر ومؤثر قسماً من الكتاب فإذا هو الممثل المحترف والمتميز سويتشيرو يوشينو أداء أخاذ وطيبة لا يمنحها الله لكل إنسان والذي أكن له إحتراما وتقديراً فائقاً وأتمنى ان تجمعنا الأيام مرة ثانية.

Tanami and Khashan exact copy
محمد في ندوة فلسطيني في المنفى، مع الدكتورة تانامي أويه

أكملت القسم الأخير من المحاضرة وقد استغرق القسمان أكثر من ثلاث ساعات بعد المحاورة ارتحنا قليلا وتناولنا نسكافيه مع جيريمي وموتوكو ثم انتقلنا الى المهرجان وهو لا يبعد كثيرا عن الجامعة وهو قديم في علاقته بفلسطين وجدرانه مزينة بلوحات وشعارات وملابس تراثيىة فلسطينية. شاهدنا أولا فيلما عن الحرب الأهلية في لبنان ثم عدنا كما في الجامعة الى أسئلة عن الحرب الأهلية ولماذ لم اشترك في احزاب او تنظيمات على كثرتها وكانت اجابتي عن هذا السؤال ايضا كما هو موجود في الكتاب ثم سؤال عن حرب 67 ثم عن اجتياح 82 ثم سؤال عن معركة الكرامة وانطباعي عنها وقد يكون اسمها افضل رد عنها ليس فقط أنها الحقت الهزيمة بالعدو الاسرائيلي ولكنها اضاءت لنا الطريق الى فلسطين الى الوطن الى الكرامة الى الحرية وان طال الزمن، ثم كان سؤال عن الثقافة الفلسطينية وما وجدنا من ثقافة في لبنان. لا أحد يستطيع ان يلم بالحضارة الفلسطينية فهي ضاربة في أعماق التاريخ ومنذ زار المؤرخ هيريدوتس بلادنا سأل السكان عن إسم بلدهم فقالوا فلسطين.
نحن أرضنا وسماؤنا ومياهنا تتنفس ما جاء به الرسل والأنبياء وقد بقي اجدادنا في حروب تكاد تكون دائمة للحفاظ على وطنهم ومن سوء حظ جيلي أن تضيع فلسطين وتذهب رخيصة ويقيني أن فلسطين قادرة دائما على النهوض وابتكار المعجزات، ألسنا بلد المسيح والمعجزات؟!
بعد هذا الاستطراد قلت: وصلنا لبنان ونحن خاصة إلى بعلبك أول الشتاء مات الكثير من كبار السن وضعفاء البنية والأطفال ثم أخذنا نلملم أنفسنا ونتعرف الى ما حولنا من مكان وناس وما لبثنا حتى قويت عزيمتنا ويعود الفضل لأهلنا فاذا بنا نعود الى المدارس ونكمل مسسيرة الحياة، أما من حيث الثقافة في لبنان فأنا غادرت فلسطين وكنت قبلها بسنتين اشتركت في تمثيلية رائعة حضرتها القرية كما أن تراثنا الشعبي غني منه ما قبل الإسلام ومنه ما بعد الإسلام، اما في لبنان وأنا كولد في اوائل الخمسينات نزلت من بعلبك الى بيروت وتعرفت الى مسرح فاروق والذي اصبح اسمه لاحقا مسرح التحرير بعد الثورة المصرية وهو المسرح الوحيد في لبنان وهذا المسرح يقدم عروضا واغاني واسكتشات ويقدم في ما يقدمه مسرحية تستغرق نصف ساعة وهي ما كان يجذبني الى المسرح الذي تخرج من على خشبته المطرب محمد سلمان ومحمد غازي وكثير من المطربين وانا شاهدت بعض الممثلين المصريين منهم الدندراوي وممثلة اخرى نسيت اسمها وفرقة بقدونس السورية وغير ذلك كثير عبر سنوات طوال، أخيرا لحق بالمسرح ما لحق بغيره من دمار.
كان هناك تياترو او مسرح ولكنه مغلق منذ زمن اخير ثم ظهر اخيراً “مسرح شوشو” والذي أكلته الحرب كما أكلت غيره ولا أنسى اننا في مدارسنا ومنذ اول الخمسينات كنا نقدم مسرحيات وخطابات باللغة العربية والإنكليزية وكان هناك مجلة حائط وكان اول اشتراك لي فيها قصيدة موجود بعضها في سيرة حياتي، كنت حينها في الثاني المتوسط، اضف الى ذلك فريق كشاف جيد مع فرقة موسيقية بطبولها وآلاتها النحاسية والفيفرات وهي تشبه الناي وقد ذهبنا بكامل أناقتنا يرأسنا مدير المنطقة الأستاذ خليل الطبري وزرنا قبر الشهيد الضابط محمد زغيب في بلدة يونين والذي استشهد في فلسطين في معركة المالكية. كما شاهدت في بعلبك الاستاذ جاد الفلسطيني وكان يقدم عزفا على الكمان قبل بداية كل فيلم في سينما امبير.
إكتمل الحضور كما في اليوم الأول وقد كنت بين الحضور على المقعد الثاني فاذا مدير جامعة سايكي يويتشي كاميجيما المتميز بقامته المهيبة يتقدم ويصافحني هذا تشريف وتكريم ليس لي بل لفلسطين وسنبقى نحفظ هذا النبل والخلق العظيم ما بقيت فلسطين، ثم القى المدير كلمة ترحيب تلته نائبة المدير ومديرة مركز دراسات آسيا والمحيط الهادي الدكتورة لي تشينغوا مرحبة بالحضور ثم ابتدأ الحوار الذي اشترك فيه السندباد الطائر صموئيل شمعون الذي نشر الثقافة العربية في شتى أصقاع الدنيا وليس هذا غريبا على العراق بلد بابل ونينوى وكلكامش.
ثم تحدث الأستاذ راوي الحاج من لبنان، لكنه مقيم في كندا وهو يمثل الأسلوب اللبناني الاستعراضي الجميل، راوي يكتب بالانكليزية، وكانت اعماله مترجمة الى اليابانية. كما شاركت الزميلة المصرية منى برنس وروايتها أيضا مترجمة الى الإنكليزية. ثم ألقى الممثل المتميز والمحترف سويتشيرو يوشينو مقاطع مما كتبته الزميلة المصرية منى برنس وما كتبه راوي الحاج.

Kaoru Yamamoto and Mohammad Khashan copy
محمد خشان والأكاديمية والمترجمة اليابانية كاورو ياماموتو

صعدنا إلى قاعة أعد فيها طعام وشراب وحلوى ثم قدمت الدرع لنائبة المدير لي تشينغوا ودرعا للممثل الرائع سويتشيرو والذي لن انساه ابدا، كما قدمت درعا للدكتور المترجم موري شينتارو والذي أعترف له وللدكتورة تانامي أويه بالدقة والإخلاص في العمل. ثم تكبد الصديقان جيريمي وتوموكو ايصالنا الى الأوتيل.
كان مقررا في اليومين التاليين أن نذهب الى هيروشيما والتي أحمل ذكراها منذ كنت صغيرا في فلسطين وقد قرأت أن بعض الناجين او من حاولوا النجاة كانوا يركضون ولحمهم يتساقط من أجسامهم.
يا الله كيف يمكن لإنسان ان يكون بهذه القسوة والوحشية يا رب ماذا حل بالأطفال وكبار السن والنساء وماذا كان شعورهم وإحساسهم والنار تلتهمهم، حزين انا جد حزين لأنني لم أذهب الى هيروشيما لأنحني أمام أخوتي فنحن في الشرق إخوان وإن بعد المكان. من حقهم علي أن ازورهم ولا ادري ان كان لدي قوة احتمال ان اقف في هذا المشهد الرهيب والذي فتك فيه الإنسان بأخيه الإنسان دون رحمة، ومع ذلك يستمرون يحدثونك عن الديمقراطية والحرية والإنسانية وحقوق الإنسان؟!!
سألت الصديق جيريمي كم تبعد هيروشيما عن طوكيو فقال حوالى 600 كلم ننام في اليوم الأول في فندق في بلدة قريبة من هيروشيما ثم نكمل في اليوم الثاني وجدتني غير قادر على احتمال مشقات السفر ويهون دونها موقفي في هيروشيما وماذا سيحل بي وكيف يكون إحساسي فعدلت عن الذهاب بعد أن غيرت رأيي أكثر من مرة وأنا للآن لم اسامح نفسي على عدم الذهاب وإن كان فيه هلاكها.
نمت ليلتها نوما عميقا بعد تعب أيام واتفقنا مع الصديق جيريمي أن يأتي في الثالثة بعد الظهر كانت جولة رائعة في وسط طوكيو وهي مدينة لا تستطيع ان تقول أنك عرفتها في يومين أو في شهرين ومهما يكن فقد زرنا كثير من المولات وقد اشار جيريمي الى بعضها المتخصصة بالالكترونيات وهل هذا عجيب على اليابان.
إسترحنا في مقهى جميل وقد علق في ذهني مول اسمه “موجي” وقد يكون له فروع في كل الدنيا بعد تجوال في المدينة ورؤية الناس في عبور ممر المشاة كأنها مظاهرة، حان وقت العشاء فصعدنا إلى الطابق الأعلى في برج طوابقه 53 ودرجة الحرارة في أعلى البرج درجتان تحت الصفر. مع انها على الأرض عادية.المطعم غرف متعددة وخاصة وهناك قاعة عامة وقد حجزت الآنسة موتوكو طاولة على الشباك تشرف على طوكيو ولائحة الطعام منها اللائحة الورقية المعروفة ويمكن ان تطلب الطعام الذي تريده على الكمبيوتر، انتظرنا حتى جاءت الآنسة موتوكو وهي التي تضفي على الجو رقة وإحساس لا مثيل له. وفي هذا المطعم يطهى قسم من الطعام على المائدة، ولو أكلنا في الداون تاون في بيروت ما أكلناه في طوكيو لبعنا ساعاتنا وثيابنا لنكمل ثمن الطعام أليس مدهشا أن تنناول هذا العشاء الفاخر في هذا البرج الرائع مقابل ستين دولارا لأربعة أشخاص! حفظ الله اليابان وحماها.
في اليوم التالي تجولنا صباحا برفقة جيريمي في سوق قريب من الأوتيل واشترينا بعض الحاجات وبعد الظهر ذهبنا الى طوكيو تاور وهو برج يشبه برج ايفل ولكنه أطول وآنق وأجمل واسمه طوكيو 333 بينما ايفل320، أبقاك الله في المقدمة ومرفوعة القامة يا بلاد الشمس المشرقة. اشترى جيريمي التذاكر، وفي المصعد مرشدة توصل الزائرين إلى أعلى طبقات البرج والمصعد يتغير بواسطة الليزر من أحمر إلى أصفر إلى غيره من ألوان الطيف، وبما أن المصعد زجاجي فأنت ترى كل طبقات البرج وما يحيطه. المصعد يوصلنا إلى أعلى طبقة يصل اليها ويبقى هناك قسم أعلى تصعد اليه على درجات لا ترهقك فهي فقط أربعون درجة.
قبل أن أصعد ارتحت على كرسي لبعض الوقت ثم صعدت كالنمر وكان سبق لي وصعدت درجات تمثال الحرية في نيويورك وهي اكثر من 360 درجة ومن على البرج استمتعت بمشاهدة طوكيو الرائعة والجميلة من جهاتها الأربعة وفي البرج محلات هدايا مختلفة من حلوى وملابس وتعليقات على شكل البرج.
تناولنا قهوة في أحد مقاهي البرج ثم نزلنا بعد تجوال في طوابق متعددة وذهبنا الى مطعم ايطالي وانتظرنا مجيئ موتوكو وهل العشاء الإيطالي غير المعكرونة والتي لم اجدها متميزة لا في اليابان ولا في بيروت في الداون تاون مع ان المعكرونة التي تناولتها في طائرة أليطاليا لذيذة وشهية خاصة وأنا في الدرجة الأولى مجاناً ولا فخر.
ها نحن في اليوم الثامن والممطر وبعد ترويقة في الأوتيل ذهبنا مع جيريمي لزيارة معبد شينتو، وهناك معبد وعلى مدخله تماثيل كثيرة للثعالب، رأيت شابا دخل المعبد ولم يطل الوقوف وعاد. وهناك معبد آخر وأظنه المعبد الرئيسي ويصعد اليه بدرجات.
ما يعلق في ذاكرتي هي كراسي صغيرة في المعبد ورأيت كثيرا من اليابانيين جاءوا للعبادة وهناك صندوق للصدقات وشينتو هو المسؤول عن حفظ الطبيعة وقد اختار الثعلب ليكون رسولا له يوصل تعليماته للآخرين.
والثعلب في بلادنا معروف بالحيلة وتطلق على من هو داهية ومن له خبرة واسعة وحسن تصرف “ثعلب”،
ولأحمد شوقي الشاعر الكبير قصيدة عن الثعلب يظهر فيها ذكاؤه ودهاؤه في اصطياد الفريسة.
والبوذية والشنتوية ليست غريبة عليّ فقد قرأت في ذيل كتاب الملل والنحل الجزء الثاني “أديان العالم الكبرى” ترجمه من الإنكليزية حبيب سعيد.
كتب الشهرستاني عن البوذية، وبوذا معناه “المستنير” وهو الذي هجر قصر والده ونبذ حياة الترف لاجئا إلى احدى الغابات متأملا متفكرا وفي فجر يوم من الأيام وبينما كان يجلس تحت شجرة أشرق عليه نور الحق ينبأه ان شقاء الحياة وضجرها منبعث من رغبات النفس وأن باستطاعة الانسان ان يكون سيد رغباته لا عبدا لها وذلك يتحقق بقوة الثقافة الروحية الداخلية ومحبة الآخرين وبما ان الدين الأصيل في اليابان هو الشنتوية وكلمة الشنتوية تعني “طريق الآلهة” ويقول اننا نجد في الشنتوية عبادة القوة الطبيعية المنتجة وهم يعظمون الشمس ومن آلهتهم الطبيعية اله الأرز وهم يطلقون لفظي “كامي” على كل إله أو شيئ يسمو فوق الفرد كالسماء مثلاً وسلطان الحكومة وهناك صفة ادبية وهي ناحية النظافة فالدنس والرجز خطيئة والطهارة الجسدية هي على الأقل قداسة وكل شيئ يدنس الجسد او الثياب مستقبح مكروه و قد لعبت النظافة الطقسية دورا خطيرا في حياة اليابانيين. “فالشعب الياباني مجبول على مراعاة النظافة التامة”. وهذه قوة أدبية لا يستهان بها ويقول الشهرستاني “ان البوذ ية اليابانية تعتبر بوذا جوهرا الاهيا حالاً في الكون ومتمثلا في اوضاع مجسمة وثقافتهم مأخوذة عن اميدا بوذا.” ويتابع قوله ومما هو جدير بالذكر ان البوذية والشنتوية يتبادلان التسامح الكريم فنرى الناس ينتقلون من هيكل بوذي الى معبد شنتوي دون حرج. والعقائد التي يعتنقها الفرد الياباني العادي مزيج من نظافة الشنتوية والأخلاق الكنفوشية البوذية.
وكما كانت لي وقفة تأملية روحية عند معبد بوذا كذلك كان لي محطة روحية تأملية في معبد شنتو. اعود وأقول بعد زيارتنا لمعبد شنتو ذهبنا مع الصديق جيرمي الى مول اسمه طوكيو هاندس لشراء وسادة مثل التي في الاوتيل فقد اكتشفنا انها غير ما نعهده من وسائد في بلادنا على كثرتها وتنوعها. وجدنا ضالتنا الوسادة العجيبة والتي تذكرني بفيلم مصري اسمه “الوسادة الخالية” وفي نفس المول تناولنا قهوة مع الكيك وعدنا راجعين. ونحن الآن في اليوم الأخير لزيارة بلاد الشمس المشرقة تناولنا الترويقة كالعادة ومن هناك الى وسط المدينة مرة ثانية ركبنا وللمرة الاولى في قطار يمر في نفق وهو يختلف عما رأيته في نيويورك فكثيرا ما كان ابني يحذرني من الاقتراب من حافة الرصيف فقد يدفعني مهووس او مخمور الى اسفل فأتحول لا سمح الله الى كفتة نية.
أما هنا في طوكيو العظيمة نزلنا الدرج ووجدنا انفسنا بين جدارين من خشب او ما يشبهه وكما سبق وقلت ان اليابانيين لم يتركوا شيئا الا وجدوا له حلا. وهذان الجداران يحفظان الانسان من السقوط إلى أسفل بل انك لا ترى سكة القطار وما ان يصل القطار حتى تنفتح ابواب هذا الجدار ويصعد الركاب آمنين مطمئنين.
حفظك الله يا طوكيو.
ومع ان اليوم كان ممطرا فلم يمنعنا ذلك من التجول في مول كبير وشراء بعد الهدايا ثم عدنا الى البيت استعدادا للذهاب الى المهرجان.
عاد جيريمي حوالى الرابعة وذهبنا إلى المهرجان قاعة عليها ملصقات فلسطينية وهي علاقة قوية مع اليابان منذ ايام منظمة التحرير وكل عام يحيون ذكرى فلسطين والذين لهم الفضل في احياء ذكرى فلسطين في هذا العام وقد يكون في غيره من الاعوام هم الصديق جيرمي والآنسة موتوكو والدكتورة تانامي مع آخرين:
وجدنا حضورا ملأ القاعة وبعد جولة وشرح للصور ونحن بدورنا أحضرنا معنا اكثر من عشرة أشرطة فيها اغاني ودبكات وأعراس فلسطينية وأغاني لفيروز وأبي عرب رحمه الله.
ثم كان حوار واسئلة من الحضور والدكتورة تانامي تترجم من اليابانية الى العربية وبالعكس.
وقد سألني احد الشباب اليابانيين لماذا لا يوجد عندنا معادن؟
فقلت له: انه تحد للعقل الياباني الجبار والذي يثبت للدنيا أنه ومع عدم وجود معادن فهي في مقدمة الدول الصناعية. فقال الشاب: يمكن.
قد يكون يبحث عن جواب علمي واجابتي ان لم تقنع عقله فقد اقنعت عاطفته.
اذا لا بد مما ليس منه بد فالسفر غدا وكل مسافر يفرح بالعودة الى بلاده اما أنا والذي اغتصب وطني بقوة الطائرات والدبابات والجيوش كما رأيتها فإلى أين يذهب؟!! أنا اعود الى لبنان ولبنان البلد السياحي الجميل هو ليس فلسطين رغم حبي واحترامي له. لذا فقد كان في قلبي غصة أن افارق البلد العظيم الذي أكرمني وشرفني بدعوة من جامعة سايكي المتميزة، كل فضل هو فضل لفلسطين وفلسطين لا تنسى من أحسن إلى ابنائها.
حضر جيريمي صباحا وبعد تناول الترويقة الأخيرة تجولنا في سوق قريب من الفندق ثم جاءت موتوكو وزرنا مكتبة يابانية كبيرة، ثم عدنا الى الفندق وانجز جيريمي معاملات الخروج فالموعد ان نغادر الأوتيل في الثانية عشرة. انزلنا حقائبنا ووضعناها في صالون الاستقبال وغطيت بشبك ويقفل عليها حتى يرجع صاحبها.
وها نحن نتناول الغداء الأخير ويوصلنا تاكسي إلى محطة باصات المطار.
في المحطة موظفون نشيطون ومخلصون في عملهم يضعون الحقائب في أماكنها. المسافة بين المحطة والمطار ثلاث ساعات. ليس فقط لم نشعر فيها بالتعب بل كانت فرصة شاهدنا فيها كثيرا من معالم طوكيو منها ميناء طوكيو، ودولاب كبير الى اليمين يضيئ بألوان مختلفة وكيفما نظرت فأنت تشاهد أشياء جميلة فأنت في طوكيو حرسها الله.
وصلنا المطار وجاءت موظفة تحمل شارة طيران الإمارات فأوصلتنا الى حيث وزن الحقائب، وكانت المفاجئة! قدمت جوازيّ سفرنا فإذا الموظفة تقرأ وتقلب وتضرب على الجهاز الذي امامها فلا يجيب ها نحن نعلق عند المغادرة كما علقنا عند الوصول ولكن الموظفة لم تضيع وقتا وذهبت الى من هو أعلم وعادت وختمت الجوازين، ونظرت خلفي فاذا جمع غفير من المسافرين ينتظرون دورهم وقد اخرهم ختم جوازينا.
فوجئت حقاً وقلت باللغة الإنكليزية ويصوت مرتفع هذه هي مشكلة فلسطين تؤثر على كل الدنيا أرجوكم ساعدونا لنعود لوطننا فلسطين.
لا أدري ان كانوا فهموا ما اقول ولكني سأبقى أجوب الدنيا واعمل كل ما يمكنني عمله في سبيل فلسطين.
بعد الوزن ارتحنا وتجولنا في السوق الحرة للمطار واشترينا بعض الحلويات اليابانية وها قد حان وقت المغادرة.
نزلنا الى حيث الأمن العام وهناك ودعنا الصديق العزيز جيريمي والذي لن انسى فضله وصبره كما أكرر شكري للآنسة موتوكو. في الأمن العام خلعنا الأحزمة ووضعنا ما في جيوبنا في أوعية بلاستيكية، اما انا فبعد خلع ما خلعت عدت وجلست على الكرسي وجاء موظف ولم يزد عن تدليك او تمليس المعطف وعاد وكرر التمليس عند الكمين فحولت الأمر الى نكتة وقلت له إنك موظف جيد وكما أن المعطف من نوع جيد ولم أدر عما كان يبحث في هذا التدليك الرقيق.
لن أطيل عليك قطعنا مطار طوكيو العظيم والكبير ووصلنا الى حيث طائرة الامارات كما سأهون عليك ولن أصف رحلة الطائرة ولكن عليّ ان اذكر هذا المضيف المصري اللطيف والذي أعادني الى ايام القاهرة وخفف عني ثقل دم الآخرين وهل هناك أخف من دم المصريين ومن دبي الى بيروت.
ولكم مني سلام وعلى الارض السلام

محمد خشان، كاتب فلسطيني مقيم في بيروت، صدر له عن منشورات الجمل” كتاب مذكرات بعنوان “الخط الشمالي”.  سيصدر كتابه الثاني “جولة في الجليل الأعلى – على خطى السيد المسيح” في ربيع 2017.

[email protected]

SHARE