محمد الحارثي: فلّاحُ الشِّعر والبطاطا

” الرائحة الباردة لعَفن البطاطا، ضرب لنبات شبه مُتفحّم بالمِعوَل، وضربات المعوَل المقتضبة عبر الجذور الحيّة،

كلُّها استيقظت في ذهني. لكنني لا أمتلك مجرَفة لأتتبع رجالًا مثلهم؛ فبين سبَّابتي وإبهامي يرتاح القلم الثخين”.

شيموس هيني

محمد الحارثي في التيبيت 2016

الوُضوح نقيصة في صنعة الشِّعر ومثلبة موضوعيّة

في مُقتبس الحَتم لن يغفرها عبد القاهر الجرجاني

(لو كان المسكين على قيد الحياة)

بيد أنني استمرأت اللعبة عن حماقة كان لا بد منها

لتسليس إعجام فصحانا المثلومة هذه..

قد أكون مخطئًا في تعليل الغموض والوضوح

لكن لا بأس…

دعك من الجرجاني، وكُن واضحًا في حقل بطاطا مُتيبّس

بمبخرة الثورة والفاقة في إيرلندا

لأكون الفتى الغامض في حُموضة الفرصاد

(ولا تنسَ أنّ العكس صحيح أيضًا)

لأن المُتنبّي الملعون (بكلّ قيَافته الشكسپيريّة) سيقف إلى جانبك

فيما لو أردت من زمنك أن يُبلّغك ما لم يبلغه -أو يُبالغ- في تنحية

الآخرين من مشقّة الوصُول إلى حماقته.

وبعدها، بعدها فقط استعر مِعوَل الفلاح الإيرلندي شيموس هيني

ليس في مدائحي لسيف الدولة قطعًا؛ بل في قصائدي الأخرى -يُنبئني المتنبيّ ويُؤنّبني-، ثم أعد اكتشافها في فتوحات نديديَّ أبي تمّام والبُحتري أو في المُتبقي من أكباد تيد هيوز المُخضرم في مِسبار خطيئة حاول استغفارَها دون جدوى في “رسائل عيد الميلاد”…

وإن شئت أعد اكتشافها مرة أخرى في المُتبقي من عُزلة محمود درويش

إن راق لك الأمر

تحاشيًا لطعم قهوة أمّه، مفخرة الله المُتبقية في زيتونة إسرائيل

رائحةً وطعمًا في قصائده التي تناساها الفلسطينيّون ورعًا

أو حماقةً قد تجلب لِساستها الجُدد مزيدًا

من الدولارات الأميركية ورُزم لا تُحصى من ريالات السعودية..

دعك من النقيض في الحكاية:

مَهمَه “الأول والتالي” لسركون بولص الذي حدّثكَ ذات مرّة

في مسقط عن مثالب شُعراء الحداثة المُتفيقهين

ومُعجم سرقاتهم الخفيّة في مسقط لندن ومَهوى باريس..

دون أن يتباهى بقميصه المُزنّر باسم جيمس جويس وصُورته

(أحمق إيرلندا الأكثر شعبيّة ورِفعة)..

بشغف؛ كان يتحدث في مسقط استطرادًا عن تلميذه صموئيل بيكيت

لأنّ الحياة مركب نُوح لم يَنمْ بعد ولن يغرق في مثلبة الأمثولة

أولٌ وتالٍ في مقياس الكارثيّة الشعري

حين يرتاح -على سبيل المثال- قلم ثخين لاستدرار دموع سلحفاة

طوفانٍ لا بُدّ من حدوثه للتخلّص من وردة الطغاة أو لبلوغ زنزلخت

مدينتي: “لا” أو “أين” بمعيّة المُتورط الأكبر في القضيّة:

شيموس هيني، فلاح الشِّعر والبطاطا وجائزة نوبل.

بانكوك، ربيع 2016

 

شاعر عُماني

[email protected]

SHARE