أصيلة، ألوان وأصوات وإلهام

محمد بنعيسى ومارغريت أوبانك، أصيلة 2007

 

مارغريت أوبانك

سبقت معرفتي بمهرجان منتدى أصيلة، قبل عدد من الأعوام، حين حضوري المهرجان للمرة الأولى في صيف العام 2005. محمد بنعيسى، الذي شغل منصبي وزير الثقافة، ووزير الخارجية في المغرب، أقام موكباً ثقافياً سنوياً رائعاً على مدى شهر كامل، يُعاد خلاله تزيين أو زخرفة ما أمكن من جدران مدينة أصيلة، باستخدام كل أشكال التعبير الفني. ويشارك الفنانون، من أنحاء المعمورة، وكذلك الأطفال والطلاب من قاطني المدينة، في ورش عمل فنية متنوعة، بما في ذلك ورشة طباعة، تقام داخل – وحول – «قصر الريسوني» المعاد تأهيله- قصر الثقافة – مشاركين بدورهم في إعادة طلاء المدينة.

وعلى مقربة منهم تنظم الحفلات الموسيقية، العروض الفنية، حفلات الاستقبال، وسلسلة من الندوات الفكرية التي تقام لمدة يوم، يومين، وثلاثة أيام، حول مختلف الموضوعات، إلى جانب حلقات المناظرة وحلقات التدارس، التي يتضمن معظمها خدمات ترجمة فورية. وهناك دائماً معرض فني جدير بالاهتمام في مركز الملك الحسن الثاني الثقافي، حيث تنظم المؤتمرات وحلقات النقاش، يزيد من ألقها فناء رحب يقصده المشاركون في فترات الاستراحة بين الندوات للتعارف وتوطيد الأواصر.

عند حضوري المهرجان للمرة الأولى تأثرت، على نحو فوري بالأجواء الوديةـ والمريحة. يا لها من نقطة تلاقٍ دولية فريدة، التقيت فيها شخصياً بكتاب وفنانين وصحافيين ومترجمين وموسيقيين وممثلين ومخرجين سينمائيين، في أمكنة مختلفة، وحضرت نشاطات ثقافية عديدة، تراهن كلها على السمات المشتركة للإنسانية، وتخلق بذلك جواً مناسباً للحوار والتبادل الثقافي الذي طال انتظاره. أتذكر مشهد عروض الفلامنكو في جنبات قصر الريسوني، كان أمراً مذهلاً لي، تخيلت حينها أنه في يوم ما سيجد أهل المغرب وإسبانيا، هؤلاء الجيران اللصيقون، طريقهم لتسوية خلافاتهم.

في كل مرة أذهب فيها إلى أصيلة ألحظ التطورات الجديدة في المدينة. الآن، هناك مكتبة عامة، وقاعة مؤتمرات. وكنت محظوظة لحضوري حفلة افتتاح حديقتين تذكاريتين بديعتين، واحدة لإحياء ذكرى الشاعر محمود درويش، عقب وفاته في آب (أغسطس) 2008، والأخرى لذكرى الطيب صالح. وقد أبهجني على نحو خاص عثوري، على مشارف المدينة، على حديقة صغيرة مكرسة لذكرى الشاعر العراقي بلند الحيدري. داخلني شعور غريب في البداية، أن أسير في حدائق مكرسة لهؤلاء الفنانين الذين جمعتني بهم معرفة شخصية. الآن، أتطلع لزيارة هذه الحدائق، لتنفس هوائها الوادع، وملاحظة درجة نمو أشجارها ونباتاتها.

لم يكتف محمد بنعيسى بإرساء لبنات هذا الشهر المفعم بالحوار الثقافي والعروض الفنية، بل زاد عليها جوائز أدبية للشعر والرواية؛ جائزة محمد زفزاف للرواية العربية، جائزة بلند الحيدري للشعراء الشباب، وجائزة باسم الشاعر الكونغولي تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي، لتعزيز الموقع المركزي للكتابة الابداعية في المجتمع الإنساني. وتتضمن الحفلة الختامية لكل مهرجان جوائز مخصصة لمواطني مدينة أصيلة، من تلاميذ المدارس، مروراً بالأمهات والآباء والعمال والمتقاعدين.

كان من المناسب تماماً أن تُقابل جهود محمد بنعيسى الحثيثة لتعزيز الحوار بين الثقافات، والتبادل الثقافي، بالاعتراف من قبل جائزة الشيخ زايد للكتاب، عندما أختير محمد بنعيسى الشخصية الثقافية للعام 2008. وفي العام الماضي، في العشرين من تموز(يوليو)، أشرف بنعيسى على يوم رائع من النقاشات، مع محاورين دوليين مدعوين خصيصاً للاحتفال ببلوغ مجلة «بانيبال» عامها العشرين. يا له من يوم للحوار! شكراً محمد بنعيسى.

تغمرني السعادة، هذا العام، لكوني جزءاً من احتفال مهرجان منتدى أصيلة بعامه الأربعين. أربعون عاماً من تفاني محمد بنعيسى في تقريب الناس بعضهم من بعض، ولتوسيع سُبل الإبداع والتبادل الثقافي، ببصيرة دوماً متجددة.

 

كاتبة بريطانية، ناشرة ورئيسة مجلة «بانيبال»،www.banipal.co.uk

ترجمة عن الانكليزية: الشاعرة السودانية نجلاء التوم

SHARE