“كَشَجَرَةٍ تَسْتَدِلُّ بالضَّوءِ” قصيدة للشاعر السوداني عادل سعد يوسف

 

Adil Saad Youssef

نُصُوصٌ

مِنْ أوْرَاقِ الْعَاشِقِ الكَهْلِ

(1)

عِنْدَما نَعُودُ مِنْ الْبَحْرِ
فِي وَقْتٍ مُتَأخِرٍ مِنَ اللَّيْلِ
وعَلَى يَدَيْكِ حُزْمَةٌ مِنْ الظِّلالِ الْمُوسِيقِيَّةِ
وَأنْتِ تَرْتَجِفِينَ مِنْ الْمُتْعَةِ
أتَأمَّلُكِ بِشَغَفِ الْوَهْلَةِ الأولَى حِينَ الْتَقَيْنَا
كُنْتِ دَافِئَةً كَشَمْسٍ
وَصَادِقَةً كَشَجَرَةٍ تَسْتَدِلُّ بالضُّوءِ لِتَحْيَا
أُقَبِّلُكِ
وَأنْثُرُ عَلَيْكِ
بُسْتَانَاً مِنَ النَّبِيذِ.

(2)

أُرَتِّبُ الْمَكْتَبَةَ
صُورَتَكِ فِي إطَارِهَا الْقَدِيمِ
عَازِفَ التُّرَامْبِيتِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَى غِلافِ الأُسْطُوَانَةِ
يُحَرِّكُ أصَابِعَهُ كَطَائِرِ الْحَبَّاكِ
الرُّزْنَامَةَ الَّتي تَضَعِينَ عَلَيهَا دَوَائِرَ حَمْرَاءَ
وتُلْصِقِينَهَا
عَلَى بَابِ الثَّلاجَةِ
وَلَعَكِ بِالخِطَابَاتِ الَّتِي لا تَرُدِّينَ عَلَيهَا
بِالْمَسَاء الْهَامِسِ لِلْبَحْرِ
بِغِوَايَةِ الألَقِ الَّذِي يُعُضُّ أَنَامِلَكِ
فِي الْمَرَايَا
وَبِكُل ذَلِكَ
وأَكْثَرَ
أُحِبُّكِ
كَتَغْرِيدَةٍ سَمَاوِيَّةٍ
عَلَى أنْفَاسِ الْحَدِيقَةِ.

(3)

تَسْتَيْقِظِينَ
كَغَابَةٍ مُتَوَهِّجَةٍ
كَشَلاَّلٍ يَسُقطُ مَخْمُورَاً بِالْحَيَاةِ
تُشْعِلِينَ الْغُرَفَةَ بِالْهَدِيلِ الصَّباحِيِّ
وَبِهُدُوءٍ تَجْلِسِينَ عَلَى ابْتِسَامَتي كَمَلاكٍ
نَقْتَسِمُ خُبْزَةً مُحَمَّصَةً
نَقْتَسِمُ سُمْرَتِكِ الْمَعْجُونَةَ
مِنْ رَحِيقِ السَّلامِ
نَقْتَسِمُ ضَحْكَتَكِ
وَأَكْوَابُ قَهْوَتِكِ الْبَيْضَاءَ
كَبَجَعاتٍ صَغِيرَةٍ
– مُنْذُ الْقَرْنِ التَّاسِعِ عَشَرَ-
بِأُلْفَتِهَا الأَنِيقَةِ
تَسْبَحُ
عَلَى الطَّاوِلَةِ.
(4)

هُنَا أتَذّكَّرُ جَوْلاتِنَا الطَّويِلَةَ
كَأنَّنَا مَدْعُوَانِ لِرُؤْيَةِ الْحَنَانِ الطَّبِيعِيِّ لِلظِّلالِ الْكَسْتَنَائِيَّةِ
كَأنَّنَا بِالْمَسَاءَاتِ عَمِيقَةِ الرَّغْبَةِ
بِالْكَادِ نُخْفِي ارْتِعَاشَةَ الْمَاءِ لِنَسْمَةِ الرُّوحِ
وَنَحْمِلُ نِصْفَ مَوْجَةٍ
مِنَ السُّكْرِ
وَبِنِصْفِهَا الآخَرَ
أَجْذُبُكِ مِنْ تَنُّورَتِكِ الْفُسْتُقِيَّةِ
هُنَا
أرَى حَمَامَكِ الإنْسَانِيِّ يَتَهَيَأُ لِلصَّلاةِ
وَعَيْنَيْكِ
وَاحَتَيْ مُوسِيقَى.
(5)

أنَا وأنْتِ بِلَّوْرَةُ الْمَحَبَّةِ
كُلُّ شَغَفٍ بَيْنَنَا يُفْضِي إِلى حَدِيقَةِ الْمَلائِكَةِ
كُلُّ شَيءٍ يَتَوَهَّجُ مِنْ لَمْسَتِكِ
يَمَسُّنِي
الأَيْقُونَةُ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَى الطَّاوِلَةِ
السِّتَارَةُ الزَّرْقَاءُ
الشَّبَابِيكُ الَّتي تُرتُلُ ابتسَامَتَكِ
وَأْنتِ تَنُفُضِينَ عَنْهَا
الْغُبَارَ الْخَفِيفَ
.
.
كُلُّ سِيجَارَةٍ بِقُرْبِكِ
قُبْلَةٌ عَمِيقَةٌ
كَأنَّكَ تُشْبِهِينَ شَجَرَةً الْتَقَيتُها
أعْنِي طَائِرَاً مِن مَحَبَّةٍ كَبِيرةٍ
يَمُدُّ أجْنَحَةً للْحَيَاةِ
وَ يَرْمِي ثَمَرَةً
بِقَلْبِي.

(6)

عَلَى أَظَافِرِكِ
مُتَسَعٌ مِنَ الْرَغْبَةِ
مُتَسَعٌ مِنَ نَحْلِ الْمَوَاويِلِ
كَقِدِّيسَةٍ
تُصَلِّي بِصَفَاءٍ إلَهِي
عَلَى بُحَيْرَةٍ مِنْ اللُّوتَسِ
تَضَعِينَ
كَرْنَفالَ أُنُوثَتِكِ
عَلَى الأرِيكَةُ الْبَيْضَاءِ
ثُمَّ
تُشْعِلِينَ أضْلُعِي
بِشَاهِقِ الظَّمَأِ
وَبِكَعْبَيْكِ
تَنْقُرِينَ الْعُشْبَ
كَغَجَرِيَّةٍ تَتَّكِئُ بِكَامِلِ اشْتِهَائِهَا
مِثْلَ لَحْظَةٍ أبَدِيَّةٍ
عَلَى
مَوْهِنِ اللَّيْلِ.

(7)

مُنْذُ أنْ تَقَمَّصَتْنِي رُوحُ عَاشِقٍ قَدِيمٍ
أَتَوَكَّأُ قَرَنْفَلَ الْحُقُولِ
وأمْشِي بَاحِثَاً عَنِ لَحْظَةٍ تَذُوبُ بِي
تُرَتِّقُ يَقِينَ فِطْرَتِي
بِالْخُلودِ
مُنْذُ أنْ تَقَمَّصَتْنِي رُوحُ عَاشِقٍ قَدِيمٍ
وأنَا ثَمِلٌ
كَبِتِلَّةٍ فَاجَأتْهَا نَحْلَةٌ
بِالْقُبَلْ.

(7)

الصُّورُ الَّتي نَتَفَحَصُهَا
فِي النَّهَارَاتِ المَلِيئَةِ بِالأقْدَاحِ السَّمَاويةِ
تَبْدُو كَحَمَائِمَ بِنَظَرةٍ حَالِمَةٍ
تَبْدُو بَسِيطَةً كَدُعَاءٍ فِي عُنْقِ نَجْمَةٍ
هِي ذِكْرَيَاتُنَا الْمَلْفُوفَةُ بِالْبَحْرِ
رَنِينُ قُبُّعَتِكِ
بِشَرِيِطِهَا الأزْرَقِ
ضَحْكَتُكُ الْمُطَرَّزَةُ بِالتَّهَالِيلِ النَّبَوِيَّةِ
وَقْفَتُكِ
كَكَرْنَفَالٍ مُوسِيقِيٍّ
فِي الرَّبِيعِ.

(8)

قَبْلَ حُبٍّ وَنَيِّفٍ
وَنَحْنَ عَلَى هَيْنَمَةِ الْبَحْر
قُلْتُ لَكِ:
إنَّ الْبَحْرَ لُؤْلُؤَةٌ فِي يَدِ اللهِ
تَنَفَّسْتِ عَمِيقَاً
كَبِذْرَةٍ خَرَجَتْ لِتَوِّهَا
مِنْ غَابَةِ الأُنُوثَةِ الْمَاطِرَةِ
حِينَهَا
كُنَّا كَمُعْجِزَتَيْنِ فِي إغْفَاءةِ الْمَوجِ
كُنْتُ أسْنِدُ رَعْشَتِي عَلَى قَامَةِ الْحُبِّ
وَأرْشِو الْبَحْرَ
بعَيْنَيكِ
قَبْلَ حُبٍّ وَنَيِّفٍ
قُلْتُ لَكِ:
كَيْفَ لِصَدْرِكِ السُّورْيَاليِّ
أنْ يُخَبِئَ أنْفَاسَ طَائرٍ
فِي ظَهِيرَةِ
الخُزَامَى.

 

 

عادل سعد يوسف -2017
السُّودَان.
[email protected]

SHARE