
كلُّ الاوراقِ
المتساقطةِ أفواهُ
الغابِ المُغْلقَةُ
تحْفظُ الصمتَ قيدَ الحياة
من السَّاقِ إلى التَّعَرُّقاتِ
ابتساماتٌ مختومة
حيث الحياة تمضي مُرَتِّقَةً للألغازِ
***
مديح الصغيرة المجنونة
لما جاءتني صغيرتي المجنونة
كان شعرُها خيوطَ عنكبوت
وابتسامتُها ابتسامةَ قِطَّة
وفمُها الصغيرُ فمَ عمياءَ
كانتْ تبحثُ عن الضَّوءِ
في شقوق العالم
عن أن تلعق أحجارَ وجهي
بِلسانها المشتعل
حيوانٌ غاضبٌ كانَ يعزِّي العجزَ كله
والأحزان القديمة للأرض
والفتاة الأميرة ذات الأحلام الحمراء
شبحُ امرأةٍ
طولُ ساقيْها
العاريتين في الشرفة
وأنا التي كنتُ أبقى مرتدية لباسي
وجالسةً بإلحاحٍ في السَّريرِ
لمَّا تكونُ الشَّوارعُ المهجورةُ
مشهدا سينمائيا
الأسلاكُ مثلَ صدرٍ مُثقَلٍ
الرَّقمُ 40 التهمهُ الأسفلتُ
الإشاراتُ الضوئيَّة دونما شهودٍ تتابعُ لعبتها المتقطعة
والرَّصيفُ دونما ذاكرةٍ يحتضنُ بعض الكلابِ
حمالة الصدر الزاحفة في نطاقِ السَّريرِ
كل شيء قمتُ به ألفَ مرَّةٍ بجوارِ صغيرتي المجنونة
عرَّيْتُ كتفيْها
قبلتُ الوشم على كعبيْها
قبلتُ كل أليافِ بشرتها
غسلتُها بالزَّيْتِ والماءِ المُعتمِ لأجسادِنا الملفوفةِ في الليل
المليئةِ بروائحَ بلا أسماءٍ من كلماتٍ وبِلا لغةٍ
كان صوتها المتلألئُ يصْمُتُ
كانت تقولُ لي كلَّ ما كانتْ تريدُ حواسي أن تقولَه
كمْ مِنْ أضواء في عينيها
ألف شمس سوداء تطفو في أعماقِ كلِّ حدقةٍ
كالكواكبِ المَجنونةِ المعلومَةِ
تبحث عن عدَمِها
عن كاهلِها الكستنائيِّ الهائلِ
بطنها مليء بالأشواك
مخاوفُ وعنفٌ كان قد ألقاهما آخرون هناك
في عين العالم
هنا
عضوها الجنسي المُنفتحُ
أمام حُمَّايَ
مثل ثمرةِ الموتِ
الرُّمَّانِ الحُلوِ المُرِّ
وكلِّ بذرةٍ تقطرُ على لسانيَ الحادِّ
لتأجيجِ عطشي
طفلتي الملكة
عند نطق اسمها
الابتسامةُ يَعْصَى عَلَيَّ
عناقُها كي يُخمِدَ نيراني
مُعذَّبَةٌ سائلةٌ وحشيَّةٌ
لمَّا يهوي الليلُ على ركبتيْه
أن تنظرَ إليْها بلا عيونٍ
أن ترقصَ على عكاكيز الفجر
كل شيء قمْتُ به ألف مرة جنب صغيرتي المجنونة
لم أقبِّلْها
فمُها
كان مختوما أمامي
بحكمةِ نجمةٍ
طفل حزين
غابةٌ خرساء
قلبُ العقربِ نجمي بشفتين مختومتين
أيتامٌ باردون
الحريقُ الذي يحرِّرُني
الاختناقُ الذي يخلقني
هي الجرحُ الذي أجيءُ منه
الوَحيدةُ التي وبغرابةٍ
تمنعُني من الموت
مشاهد طبيعية
تستنشقُ رائحةً تشبه المطر
تستنشقُ رائحة تشبه اللحم المُبلل
تشبه زهرة السكر محترقا عرق الشارع
قهوة باردة أفواها جافة شَعْرا
سحقته السماء
تستنشقُ رائحة تشبه الشك تشبه السلام وتشبه المحبة
تستنشقُ رائحة تشبه الدم
ذبابة قتلتها في النافذة الكبيرة
ما زلت أرى اليوم خلف بقعتها السوداء
طيور الدُّوريِّ تتعلّمُ التحليق فوق السقوف
القطط الرمادية والنحيلة تزهرُ في الشرفات
الجارة تجلب الطعام للكلاب المشاكسة
لأنها شقية دون أن تعرف سبب ذلك
الشمس تنبثقُ من جديد
لكن ما أيقظ الأمطار
يبقى في حذقةِ عينيَّ حذقةِ نملةٍ
مُبللةٍ بالصَّمتِ
وداخل فمي الظمآن
أبتلعُ المشاهد الطبيعية الزائلة
الشهود
كلُّ تلك الشظايا التي تعبرنا
التجاربُ إذ تبني حيواتنا
الحكاياتُ وهِيَ تُرْوى كلَّ يومٍ، في كلِّ الأمكنةِ
آلافٌ منْ تواريخِ أخبارِ الرُّوحِ التي لا ينبغي أن تُنسَى
تلك الميتَاتُ الصغيرة المَتكوِّمَة في الأحلام
أنا عَالَمٌ منْ شُهودِ العيانِ
يُثَبِّتُ أنَّ الحياةَ ملهاةٌ مأساويةٌ، أحياناً تُشْبِهُ بيانو مجنون
أدا مونديس Ada Mondès شاعرة فرنسية ولدت عام 1990 في جنوب فرنسا، واتبعت المسارات متعددة جعلتها تستكشف العديد من الحقول الإبداعية: السينما والمسرح والرقص والغناء والموسيقى والكتابة، دراسات في مجال اللغات والآداب والعديد من الإقامات في الخارج قادتها إلى اختيار حياة مرتحلة تتخللها الكثير من الكتابات والإبداعات. أصدرت ديوانها الشعري الأول بعنوان: الشهود بلغتين الفرنسية والإسبانية سنة 2017.
خالد الريسوني، شاعر ومترجم مغربي، (الدار البيضاء، 1965) حصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان سنة 1988، اشتغل سابقا أستاذا للغة العربية وثقافتها بالمعهد الإسباني سيفيرو أوشوا بطنجة. شارك سنة 1985 في المهرجان العالمي للشباب والطلبة بموسكو، كما ساهم في مهرجان الشعر المغربي بشفشاون خلال عدة دورات. التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1986. يتوزع إنتاجه بين الكتابة الشعرية والدراسة الأدبية والترجمة. نشر كتاباته بعدة صحف ومجلات ومغربية وعربية وإسبانية مثل: المحرر، العلم، البيان، القدس العربي، كيكا، شؤون أدبية، دبي الثقافية، العربي الجديد، الثقافة الجديدة، نوافذ، البيان، نزوى، الدوحة، مشارف مقدسية …إلخ.
يعد الاشتغال على الترجمة رهانا أساسيا في مشروع خالد الريسوني، إذ من خلاله يعبر عن رغبة في تشييد جسور التواصل بين ضفاف المتوسط، وقد أنجز عددا مهماً من الترجمات الشعرية لشعراء إسبان وشعراء من أمريكا اللاتينية إلى لغة الضاد. له مؤلفات عديدة.