
من “شيطانة”:
I
أكتب هذا الكتاب دون أن أكتُبَه
لأن هذا الكتاب كُتِبَ تحت الماء.
لكنه في أذني يوقظ موسيقى السَّماء.
أبدو في الضباب مُتَشَمِّمَةً رائحة ذلكَ الحيوان
فليأخذني إلى مكان ما
حيث يُمْكنُ ألا يراني.
*
أسماءُ الأعلامِ تنْشَقُّ، الأسماءُ
والأفعالُ تُوَدِّعُ.
*
*
لا أستطيعُ أن أكتبَ ما هو مكتوبٌ.
لِسَاني مَوْشُومٌ بالأرْقامِ
والكلمَاتُ مَطرٌ في المَطرِ.
واللمْسُ رَمْلٌ غيرُ قابلٍ لِلسَّمَاعِ.
*
هذا الكتابُ غيرُ موجودٍ، ذوبانُ جليد
في عُيونِ النَّمِرِ،
مطرٌ تحتَ المَاء،
غيْمَةٌ عمياءُ لا تعرفُ الثلج.
*
هذا الكتابُ تِمْثالٌ مِنْ ماءٍ،
ولا شيْءَ، لا شيْء.
X
امرأة تبكي في المطبخ. خلفَ
رائحةِ الطَّبيخِ.
تنقعُ اللحْمَ بالليمونِ
وبِحُزنِها اللايُوصفُ.
*
تقعُ الدُّمُوعُ في زُبْدَةِ الحَليبِ
الذي يَنسَكِبُ حدَّ التَّرَاخِي.
*
يصِيرُ الهواءُ زيتيًا حَدَّ أنه يَجِبُ أن ينْصَرِفَ
ويُطْفِئَ اليَوْمَ.
*
في المطبخ، امرأة تنكسرُ حَيًةً،
تقطعُ أصابعهَا، تنزفُ.
الأصبعُ يَمْضِي إلى الفم.
*
الألمُ يوجدُ خلفَ
الخيْطِ النَّائم الذي جَفَّ فِي الحَشَا،
خلفَ ذلكَ الدُّخَانِ الذي أخذَهُ المَا بَعدُ.
في الخَلْفِ دَائماً وخلفَ كلِّ شيْءٍ.
*
عندما تختلِطُ الرَّوائحُ
تُعَرِّي هِيَ القُدُورَ.
هِيَ الوحيدةُ التي ما تزالُ تَشْطِفُ النَّهَارَ
حتى يَعُودَ للوُجودِ.
*
امرأةٌ في المَطبخِ.
XII
أنا داخل امرأةٍ غريبةٍ
ليْستْ أنا.
*
أحياناً، حينَ نلتقي
في المرآةِ أرى،
أنِّي أخرى وأنَّ الأخرى هيَ أخرَى.
*
تقبِضُ عليَّ وتَفيضُ عَنِّي
في عُقوقِ الغائبَةِ.
*
أنا كثيرٌ مِنَ النِّسَاءِ ولستُ أحَداً.
أنا خوانا، تلكَ التِي تُعَرِّي جِلْدَهَا،
وتكونُ مثلُ حبَّةِ عِنَبٍ،
أو تلك الطفلة الصغيرة التي صعدت الحَوَّامَةَ
مع كلِّ الفراشاتِ.
وأنا أيضاً الانتحاريةُ السَّكرَى التي تعطلُ زنادَ
المُسدَّس فتتطايرُ الورودُ.
وأنا أيضاً تِيرِيسَا، التي تسْألُ
العذراءَ الصَّغيرةَ، أمَلا وحيداً.
*
وأنا إيسَادُورَا، التي تنزعُ عَنْها
الثيابَ
ببطءٍ.
وتصيرُ دُهنيَّةٌ عند الذهابِ إلى السَّريرِ.
*
غريباتٌ ومُسَرْنَمَاتٌ يُلاحقنَ ظِلَّهُنَّ.
*
أنا هذه المرأة اللعينة التي تتَمَلَّكُنِي
بين ديناصوراتٍ وزهراتِ خشخاشٍ وفِيَلةٍ مصغرةٍ.
أنا هذهِ المرأةُ التي لا تفكِّرُ في كلِّ العَسَلِ
الذي يُوجَدُ في البيت دون امتلاكِ نَحْلٍ،
والتي أحياناً تعتقدُ أن لِلنَّحْلِ عُيُونٌ
حادَّةٌ تلمسُ فمِي مُتجاوزةً رأسي.
*
أبحث عنها،
لا محالة،
أبحث عنها.
*
أبعد مِنَ السِّيجَارةِ التي أشعِلُها ولا أدخِّنُهَا.
أبعد مِنَ الكتابِ المفتُوحِ الذي أكتبُهُ ولا أكتُبُهُ.
أقربَ إلى طعْمِ الكرَز أو طعْمِ العُيُونِ
أطفال حُبِّي، الذين ينظرون إليَّ
مثل كل هاته النساء اللواتي لسْن أنا وهنَّ أنا
واللواتي أيضاً لا يفهمْنَ.
الذي يفهمُ كلَّ شيءٍ، والوحيدُ، هُوَ الحُبُّ.
الذي ينقذني هُوَ الحُبُّ، ومُستعدٌّ
للقفز في الفراغِ
والعثورِ عليّ.
XVIII
لا تتفق معي
في تلك العادةِ، عادةِ الارتعاش أثناء الخطيئة
التي لمْ نقترفْهَا،
والتي تتركنا جرِّيئِينَ بين السُّرعاتِ الألفِ
لِهُنَيْهَةٍ واحِدَةٍ.
*
فَلتَرْفعْ
ثيابي مِنْ أسمالٍ غُسَلَتْها الكلماتُ
التي تتبادلُ النَّظرَ فِي منتصفِ النَّهْرِ،
وعلى الضِّفَّةِ الأخرى،
السَّاقان رُفْقَةَ تدويناتِ ألحَانٍ موسيقيَّة.
*
فَلتَرْفعْ
خرسي في خيوط العناكبِ
من طوبٍ تُخفيهِ يدايَ
حتى لا أسرق الفاكهة
وأنفي ذاتي عَنْ هذا العالمِ إلى أبدِ الآبدين.
*
XX
تُصِرُّ الليلة على نَوايَاها العَابِرَةِ
في أنْ تكونَ نهاراً.
في عمرهَا الألفيِّ تحترقُ البَذرةُ
داخلَ الخَوْفِ الذي يُطرِّزُ الرَّغبةَ بِتَطريزاتِهِ.
*
في النِّسْيانِ الضَّبابِيِّ أبْحَثُ عنها.
أبحثُ عنها فتَغرقُ
في النهر الذي أودعت فيهِ سِرّاً.
*
أبحث عنها في الصيف الذي تحوَّلَ شِتاءً
مِنْ خَريفٍ آخرَ في يَوْمِ أحَدٍ.
*
تُشْتَمُّ رائحتُها في الفاكهة المسْروقة
وفي الهِمَّةِ.
*
تنزلقُ زاحِفة أيَّامَ الأعْيَادِ.
*
فَهِيَ يراعَةٌ،
لَمَّا تشتَعِلُ،
هِيَ لا تسْتطِيعُ أنْ ترَى ضَوْءَهَا.
XXXI
تلكَ المَرْأةُ التي تنظرُ إليْها بِعَيْنِ الرَّيْبَة، ترَى العَالَمَ.
ثمَّةَ عيْنٌ مُتطفِّلة
تُتْلِفُ ثيابَهَا،
التطريزاتُ تنتحرُ بين شموس مُحتضِرَة.
عينٌ تنظرُ إلى الجَانبِ الخلفيِّ للظلِّ،
هي تريدُ أن تقيسَ المسافة التي تُبْعِدُ
المراكب الشراعية عن اللانهاية،
أن تحسب كمْ من السِّحرِ يفصِلُ القدمين عن الرأس،
كم وداعاتٍ لها شفاهٌ مَخِيطةٌ بِبَنفْسَجٍ مَغْسُولٍ.
تُريد أن تتيهَ في العيون الخاسرة.
تريد أن تتيه فيما بَعْدُ في عَيْنِهَا الجَاسُوسَةِ ذاتها.
عيْنٌ تراقبُ جريمَةً لا تُرْتَكبُ،
عيونٌ تتَّسِعُ حتَّى العُيُونِ اللاحقةِ
التي تنْظرُ تحتَ ثيابِها
إلى رغبَةٍ مَغْمُورَةٍ،
ومَسْرُوقةٍ،
وحاسِمَةٍ.
*
وإذن، لماذا النظرُ إلى الخوفِ
إذا كانتِ اللانهاية تنتظرُ بِصَوْتٍ خَفيضٍ؟
*
XXXIV
أيقظتُ ذاكرتي في هذا الصَّباحِ المُمْطِرِ
وأنا أمْضِي إلى بَيْتٍ
كانتْ توجَدُ لِي بِهِ شجرَتا تُوتٍ ومِشْمشٍ.
*
كانَ هذا بيْتاً بفناءٍ جدِّ كبيرٍ
حيث كان أبي يُعْنى بطيُورِ الكناري اللاتنتهي،
وطيُورِ العلعلة وسُمَنِ الحُقولِ والزقزاق.
كانوا الأخَ الذي لم يَكنْ لدَيَّ
وكنتُ ألهو لأبتدعَ لهم لحظاتِ صَمْتٍ في الرِّيحِ.
كنتُ أيْضاً أجلسُ لأكتُبَ في الهَواءِ الطلقِ
ذاك القمرَ الذي كنتُ أرَاهُ بين الأشْجَار.
*
وفي هذه المدينة التي تتلاشى فيها الموسيقى
في النهر الشاسع،
ذاكَ الرجلُ بعدُ ما زالَ يقولُ لي:
“اسمعي، هنالك يُوجَدُ طائرُ عُلْعُلٍ”
*
لهُ عينانِ أشدُّ بَللاً قدْ رأتْهَمَا عينايَ،
كان يعرفُ الطيورَ مِنْ تغريدها
وعبرَ الذاكرةِ مَرَّةً أخْرَى عادَ ليَصِيرَ لي
البَيْتُ
الذي هو الآنَ ليْسَ لِي.
*
XXXV
*
يقولون إنِّي كُنْتُ على قيدِ الحَياةِ
وكنتُ أكتبُ في المراعي بطباشير عرق اللؤلؤ.
*
يقولون إنِّي كنتُ أرْملةً
وكنتُ أحملُ أغاني الكِيشوا إلى المقبرة.
*
يقولون إني كنتُ أبكي.
وكنتُ فقط أغنِّي
سَاكِنَةً
بلساني الهَجِينِ.
من كتاب: الأيلُ المَحمِيُّ
مقبرة
إلى أبي
*
أن أبقى في عيون أبي
أن أقرأ ما يَعْتمِلُ في رأسِهِ
قد بقيتُ عمْيَاءَ دونَ بُحيْرَةِ
عينيه.
كيفيدو يقولُ إنَّ بالإمكانِ أن نقرأ
عيونَ المَوْتَى.
ألمَسُ الأزرقَ الذي يعْبُرُ كلمة جَنوب
وحينئذٍ أُشْرِعُ الحَدْسَ الذي يأخذني إلى اللانهاية.
*
المَوْتُ يُقرَأ بالجَسَدِ
المَوْتُ قراءَةٌ
فيزيائيةٌ.
*
في تلكَ القطاراتِ التي كانَتْ تحْمِلُ
العَصَافيرَ
وفي تلك القيلولةِ التي لا تنتهي
تحتَ شَجَرَةِ الدُّرَّاقِ يُوجَدُ أبِي.
أتذكرُ أنَّ عينيَّ كانتا تعْبُرَانِ
مِنَ النَّهْرِ إلى السَّمَاءِ
البَراءةُ
كانتْ طيورَنا الزَّقزاقَ.
*
لمَّا مَاتَ أبي
نَمَتِ الكلمَاتُ تحْتَ قبْرِهِ
صارَتِ المَقْبَرَةُ كلمَةً.
كانتْ أقوى كلمةٍ نَطَقْتُهَا،
أنْ أنْطِقَ
كانَ مِنَ الصَّرْخَةِ إلى الصَّمْتِ.
*
قد مَاتَ أبِي وأنا أقرأ كلمته
في كلمتي،
وأرى مِنْ خلالِ عُيُونِ أبي.
*
أبي أنتَ مَيِّتٌ دونَ سُمَنِ حُقولِكَ
وسُمنُ حُقولِكَ تغنِّي لِي وتُصفرُ
أغنياتِ حُبٍّ
أغنياتِ فرحِكَ.
*
أبي أنا أقرَؤُكَ.
أبي أنا أسمَعكَ.
*
عازفة الكمان للطابق الخامس
هي تعانق ذاتها وتبقى ساكنة
تضغط أسنانها
تمضي وتأتي مستشعرة رائحة البط
الذي قطعَتْهُ الجَارَةُ أجزاءَ.
*
هي تعانق ذاتها في كل مرة لمدَّة أطول
من نافذتها ترى الرأس النازفة
للبط
تعبرُ ويُعلِنُ الحَفلُ عَنْ ذاتِهِ
يغلي المطبخُ، والتوابلُ مُمَدَّدَةٌ
بينما هي تتذوَّقُ الرَّغْبَةَ:
ينْفتِحُ الفمُ،
يُشَتَمُّ الطَّعَامُ، تُعانِقُ ذاتَهَا مَرَّةً أخْرَى،
تفتَحُ عينيْها، تفتَحُ فمَهَا،
تعانِقُهُ، تقبّلُهُ
إلى تعَضَّ القبْلةُ
إكسيرَ مَصَّاصِي الدِّماءِ
وهنالكَ تَعُودُ
ترْجِعُ لتصيرَ مرَّةً أخْرَى عَازِفَةَ الكَمَانِ للطَّابَقِ الخَامِسِ.
امرأةٌ في النَّافِذَةِ
صورة تينا مودوتي
*
وَدَاعٌ بَطِيءٌ
بين الحَركةِ والتمرُّدِ
*
جُوانْ بِيز مُصاحبة في الخلفية
بينما الحقيبَةُ كانتْ تحْمِلُ
الإخفاقاتِ والرغبة.
*
نبكي.
همسَ الهواءُ الألم وتبادلنا النظر.
*
قبْلةٌ تَطِيرُ فِي الهَوَاءِ مِنَ البَابِ
وامرأة في النافذة
تتطلعُ للذَّهَابِ إلى حالِ سَبِيلِهَا.
*
الرَّجُلُ يَنْظرُ نَحْوَ النَّافِذَةِ.
*
جوان بيز
ومَرَّةً أخْرَى كامِيرَا
تِينَا
تُسَجِّلُ
العشَاءَ الأخيرَ
= رسالةٌ إلى يائسٍ
الرَّجُلُ لا يُمْكِنُ أنْ يُحْمَلَ على الكَاهِلِ
يُكابدُ
بِطائرٍ مَيِّتٍ
*
فِي فَمِهِ.
*
ثمَّةَ جَحِيمٌ في دَمِهِ
يُدِينُهِ في الهُنَيْهَةِ الدَّقِيقَةِ
حِينَ تتفتَّحُ زهْرَةُ الخشخاش.
*
الرَّجُلُ لا يُمْكِنُ أنْ يُحْمَلَ على الكَاهِلِ
في كلِّ هُنيْهَةٍ تَنتحِرُ
المَلائِكَةُ والكلمَاتُ الَّتِي تسْكنُهُ.
*
يَائسٌ هُوَ هذا الرَّجُلُ
يَدْخُلُ البَطُّ بَيْتَهُ
لكنَّهُ لا يَرَى سِوَى الجِيَف.
*
لديه مُسدَّسٌ لكِنَّهُ لا يقتلُ نفْسَهُ
النَّمْلُ يُلاحِقُهُ
حَتَّى فِي قِشْرَةِ العِنَبِ.
*
هذا الرجل يتحرَّكُ مِنَ الفِرَارِ
نَحْوَ الظِّلِّ،
لدَيْهِ أصَابِعُ
لكنَّ قفازاتِ المُلاكِمِ عندَهُ تمْنَعُهُ
عندَ مُلامَسَةِ الأشياءِ أنْ ترْقُصَ
أصَابعُهِ
وأنْ يغنِّيَ فمُهُ وأنْ يتكلمَ في القصيدة،
لأنَّ هذا الرَّجُلَ شَاعِرٌ
فِي صَيرُورَةِ المَوْتِ.
جاري
من النافذة أرى طيورَ التدرج
أوجِّهُ التلسكوبَ لِأصِلَ إلى نافذةٍ أخرى،
نافذةِ جاري الجديدِ.
*
ذلكَ الرَّجُلُ يَمْضِي ويَعُودُ
أشاهدُ تَحَرُّكاتِهِ فِي البَيْتِ
*
يقلقُني هذا الجارُ
ذو النظرَةِ الشَّزْرَاءِ.
*
في شُرْفَتِهِ طيورٌ غَرِيبَةٌ،
مظلاتٌ، لفَّاتٌ مِنَ الرِّقِّ
وقِطَّةٌ.
*
يتَحَدَّثُ في الهَاتِفِ وهُوَ يَتَعَرَّى،
هو طويلُ القامَةِ، جِلدُهُ مَكتُوبٌ.
يدخلُ غرفة،
لم أعدْ أرَى شيْئاً.
*
يقلقني أن أتجسَّسَ على هذا الجَارِ.
يخْرُجُ مِنَ الغُرْفَةِ ويَسْتَنِدُ إلى الزُّجَاجِ
هُو ذَا
*
ذلِكَ الرَّجُلُ ذو القُبَّعَةِ الرَّمَادِيَّةِ،
والَّذِي مَارَسْنَا مَعَهُ الحُبَّ حَتَّى الفَجْرِ
خِلالَ بَعْضِ لحَظَاتِ الغُرُوبِ، وخِلالَ بعْضِ الأعْوَامِ
وَمَضَيْنَا.
*
لمْ أعْرِفْ أبَداً مَنْ كانَ
والآنَ،
هُوَ ذَا
كانَ جَارِي.
دمٌ بخيوطٍ مِنْ حَريرٍ
أظافري سوف تقتحِمُ منكَ عظم الترقوة
وستخلِّفُك غريقًا
تسألُ
تَسألُ يوْماً واحِداً.
*
بينما أقفُ أنا أمامَ المرآة
أهديكَ لَذَّتِي لَذَّةَ مَلِكَةٍ،
*
سَتُتَابِعُنِي بِعُيُونٍ أصَابَهَا الرُّعْبُ
دونَ أنْ تَتنَفَّسَ
وحينئذٍ سَوْفَ أتعَرَّى
وسوف ترى دماً مَعْقوداً بِخُيُوطٍ مِنْ حَرِيرٍ.
*
سوفَ أرَاقصُ نُدُوبي
رَقْصَة بَطْنٍ مَا،
وأترُكُكَ تمُوتُ.
*
ولكن لكَيْ تمُوتَ، يَجِبُ
أنْ تكُونَ قد عِشْتَ على الأقلِّ
يَوْماً
وَحِينَهَا لِمَ أقتلكَ
إنْ كنْتَ مَيِّتًا عَلَى الدَّوَامِ.
امرأةٌ في الهواء
الرِّيحُ تُفكِّكُ خيوط تحالفاتِ
الدَّم
وللهواء شطارةُ
لَيِّ الرِّيحِ
لكَيْ يَتِيهَ الرَّجُلُ والمَرْأةُ
دون أنْ يَحْدسَ أحَدٌ
أنَّ داخِلَ تلكَ الفجوةِ مِنَ الهَواءِ
ثمَّةَ امرأةٌ كاملة
تحْمِلُ على كاهِلِهَا رَجُلاً
كامِلاً
لا يَعْلمُ أنَّهُ مَوْجُودٌ.
*
هُنَيْهَةٌ واحِدَةٌ في الهَوَاءِ
أبَديَّة لا مُتَناهِيَةٌ.
*
امرَأةٌ في الهَوَاءِ هُنيْهَةٌ.
امرأةٌ ورَجُلٌ في الهَوَاءِ
*
لانِهَايَةٌ.
*
= وأنا أقرأ إيميلي ديكنسون
كُلُّ شَيْءٍ سيَّانُ فِي كُلِّ مَكَانٍ
قالتْ إيميلي
أقرَأ غرَابَةَ الوُجُوهِ
الَّتِي تَنْطَفِئُ،
ثمَّ تمْضِي مُنْطفِئَةً.
*
المَحَطَّاتُ هي ذَاتُهَا
ومَعَ ذلك فَفِي الخَرِيفِ،
تتخذُ الألوَانُ البُعْدَ
الدَّقيقَ
الذِي يَصيرُ فِيهِ اللوْنُ كلمَةً.
*
ينفَجِرُ الصَّبَاحُ عِنْدَ الظهيرَةِ
وتُخْضِعُ السَّمَاءُ
يَقِينَ اللَّيْلِ
لمَّا تبْحَثُ امْرَأةٌ فِي يَأسٍ
عَنْ عَشِيقِهَا،
ويَكونُ ذلكَ حِينَ يَنْفَجِرُ الصَّبَاحُ
عِنْدَ الظَّهِيرَةِ
لمَّا ينْكَسِرُ وِعَاؤُهُ النَّارِيُّ.
*
كُلُّ شَيْءٍ سيَّانُ فِي كُلِّ مَكَانٍ
كانَتْ تقولُ إيميلي
= القارئة
هِيَ تبْحَثُ عَنْ ذلِكَ الكِتَابِ
الذِي يَقرَأ إيقاعَ الدِّمَاغِ
لمَّا يُلامِسُ بَدْءُ اللايَقينِ
النَّظْرَةَ ويُحْدِثُ فِيهَا تَحَوُّلاً.
*
وحِينَئذٍ يَقرَأ أوْرَاقَ
زَهَرَاتِ الخَشْخَاشِ وَبُكَاءَ ذلكَ الكَلْبِ
فِي قِمَّةِ الخِذْلّانِ.
*
يقرأ مَفْصلةَ الشِّفاهِ
لمَّا تَنْغلِقُ ولمَّا تنفتِحُ لِكَيْ يَعْبُرَ سِرُّ
الصَّمْتِ.
*
يُحاوِلُ عبْرَ القرَاءَةِ أنْ يُوَحِّدَ الإيقاعَ
مِنَ الدِّماغِ إلى الجَسَدِ،
يَعْلمُ أنَّ فِي التَّوَقُّفاتِ يُوجَدُ
اللانِهَائِيُّ.
*
يَقْرَأ باللَّمْسِ العَتَبَةَ،
الحَوَافِي، نُدْبَةَ يَوْمٍ
يَتَبَقَّى.
والمَطَرَ الَّذِي
يَعُودُ لِيَقْرَأنَا.
*
الأجْسَادُ فِي النِّيلِ، فِي الدوِينُو
وفِي مَانْثَانَارِيسَ تمَّتْ إعَادَةُ قِرَاءَتِهَا
مِنْ قِبَلِ مَاءِ جِلْدِ المَاءِ فِي جِلْدِ الجَسَدِ.
*
جَسَدُ عَشِيقتِكَ يُقْرَاُ بِطَرِيقَةِ بْرَايْل،
فِي عَلامَاتٍ، مَعَ مُوسِيقَى
رَامْبُو، إليُوتَ، بِأنَامِلِ الأصَابِعِ.
*
إيقَاعُ الجَسَدِ في إيقاعِ الدِّمَاغِ
تَقولُهُ الأصَابِعُ.
*
لمَّا يَتْرُكُ الهَوَاءُ مَعَ دَوَائِرَ
تَائِهَةٍ، ولامُتَنَاظِرَةٍ
لِلْعَدَمِ أنْ يَسْكُنَ
هِيَ تقرَأهُ بِقلبِهَا.
*
مَا العَدَمُ؟
لرُبَّما هُوَ الهُرُوبُ المَضْبوطُ
حَيْثُ يَلتَقِي الظلُّ بِمَهْرَبِهِ.
*
العَدَمُ فِي إيقاعِ القلْبِ
قَطْرَةٌ
تَنْزَلِقُ
فِي مَهَلٍ
عَلَى الخِصْرِ الأحْمَرِ
لِمَسَاءٍ فِي لِشْبُونَةَ
مَعَ بِيسُوَا يَقْرَأُ
الرَّائِحَةَ، تَنَفُّسَ المَدِينَةِ.
وَإذْ نَقْرَأ أنَا وأنتَ سَوَادَ الحَرَكَاتِ
ونَبِيذَ الدوِيرُو
الَّذِي لا يَنْبَلِجُ صُبْحُهُ أبَداً.
*
تُهَدْهِدُ القَارِئَةُ رِدْفَيْهَا
وَبَطْنَهَا مِنْ ألمِ بَعْضِ الكَلِمَاتِ
الَّتِي تَتَحَدَّثُ
عَنْ جَسَدٍ بِلا رَأسِ
فِي جَسَدٍ بِرَأسٍ
عَنْ جَسَدٍ يَرْقُصُ
دَاخِلَ
جَسَدٍ هَادِئٍ.
*
*
الجَسَدُ المَهْجُورُ مُؤْلِمٌ
يَقْرَأ البَطْنَ.
*
الجِنْسُ يَقْرَأ دَائِماً المَطَرَ
الَّذِي يُنْتِجُ البَرْقَ،
وَالقُبْلَةَ الَّتِي يَتْرُكُهَا
فَوْقَ الشَّجَرَةِ لأجْلِ القَرْنِ المُقْبِلِ.
*
الأعْضَاءُ
مِثْلَ سَمْفُونِيَةٍ تَقْرَأ
كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً
تِلْكَ الحَالَةَ غَيْرَ القَابِلَةِ لِأنْ تُوصَفَ،
واللامُحدَّدةَ،
والَّتِي مَفْتُوناً بِهَا، يَرْقُصُ الآنَ
الجَسَدُ المَكْتُوبُ.
*
تَقْرَأ الرَّغْبَة ذلكَ الجَسَدَ الآخَرَ
الَّذي لمْ يُكتَبْ بِأيِّ شَيْءٍ
ومَعَ ذلكَ فَهُوَ مَكْتُوبٌ
بِحَبْلِ أرْيَادْنَا
تَحْتَ نَهْرِ السِّين.
*
خَيْطُ الجَسَدِ تَحْتَ المَاءِ
المَاءُ فِي الفَمِ
المَاءُ فِي العُيُونِ
الَّتِي تلْمَسُ
القَارِئَةَ.
*
القَارِئَةُ المَقرُوءَةُ.
رسالة شفوية لِحَبِيبها من أيدين زوارا
لو الحبُّ يعرفنا -وإنْ كُنَّا لا نرى بعضنا –
وأقمْنَا هذا البيت ونحنُ نقرأ قبلاتنا
على طريقة برايل-أيْ مِنْ خلال وضع
شفتيَّ على شفتيكَ إلى أن أسمع كيف ترتعش
وأنتَ تلامِسُ شفتيَّ مثلمَا تلمسُ الشَّمْسُ حقلا مزروعاً.
وإنْ هُنا، في النفق الطويل لحدقتيَّ
-اللتين لا تستطيعان رؤيتك وتعرفانِكَ من ذهبٍ
مثل حمامة قد صعدت
الغصنَ الأعلى من الجكرندات، –
قد مدَّدْت شهرَ أغسْطُسِكِ وحرارة شاطئٍ
حيث لا شيء يُرَى سوى شفافية
بشرتك التي تشبه الأنفال العالية
التي نمت في الليل.
ولربَّما، إن كان ما يزال ثمَّة أكثر، هاتان العينان
اللتان لم ترَيا قمرك ولا اللونَ الذي تتنفَّسُهُ
ولا هُما تعرفَانِ ما إذا كانتْ جبهتكَ تشبه سحابة.
ولا تعرفانِ كم يستغرقُ الوقتُ لكي يتحوَّلَ
في حَجْم الطائرِ الذي زرعْتَ بين يديَّ
أو كيف يفيضُ الماءُ خارج رِيُّو كِينْتُو.
لكن، فجأة، تُفَسِّرانِ لنفسهما الخَفِيَّ فِي عالمٍ مَا
عندما تنبعثُ مِنْكَ رائحَةُ الطبيخِ والخبز الذي يتأخَّرُ
في كشفِ أنكَ قد أتيتَ. حسنا، فكُلُّ صُعُودٍ
من الشَّارعِ -يتحدَّثُ عن خطاك التي يبدو صداها
مثل حوافر الخيل ومثل بلادٍ مختلفةٍ-
يمضي كاشفا بأنك تعودُ بنسيمٍ جديدٍ
وبحديقة شاسعة في دواخلك؛ أنك سوف تأتي إلى فمي
بشكلٍ آخرَ وليس كما يرى عادة أولئك الذين لديهم
رؤية عبر القزحية.
إذا كانتْ كلُّ عائلةِ
الأشياء التي تُغنِّي لن تُفسِّرَ لأسماعي
أنك تأتي لتأخذني من ذلك الضوء والذي هُوَ مُمْكنٌ
ولتجعلَ خصري ينفعلُ بالهواءِ
لمَّا تكون بِقُرْبي …
*
لو لم تكن جِدَّ أعمى
مثلما أنا، يا حبي –أنتَ الذي تعرف دون غيرك
أينَ اشتعلَ الصَّباحُ –وإن التمستَ ألا تراني
مثلما لسْتُ أراكَ. وأن تتشمَّمَ رائحتي
في كلِّ خدٍّ لِلقَابوقِ، أنا كما تعلم أتَشَمَّمُكَ
حتى أصِيرَ في عطرِكَ مُلاءةً صغيرَةً
تعانقكَ في مَهَلٍ.
إنْ كان كلُّ شيء بهيّاً هكذا
كما هو دوماً والآن أيْضاً، دون العُثورِ على تصحيحات،
وفي الملامسَةِ تجدُ تَأوِيلَها ألوانٌ وصُوَرٌ
ومدُنٌ تمشِي دونَمَا دليل عُمْيَانٍ
لمَّا تنامُ عُيُونُنا،
لماذا لا نكونُ هكذا سعداء،
دونما رهْبَةٍ، يا حُبِّي؟
قل لي، إذن، لِمَ المَرْأى؟
*
البرج
أمشي نحو عشيقي
ينظرُ إليّ
أزيغُ عنِ العُقوقِ
وأواصلُ
*
أودُّ
لو تصيرُ الذاكرةُ
مَتاهَةً
*
آخرَ مَرَّةٍ
في ذلك اليوم أمامَ المَذبَحِ وهُوَ
*
أين؟
*
الحي الصيني
باريس، لندن
وإذ يتحدَّثُ مَجنونُ هوىً
يقولُ:
أيُوجَدُ النِّسْيانُ؟
بايرونُ وشكسبيرُ، ينظران إليه
عشيقي هناك
وأنا أواصلُ
ثيابي بقيتْ في حقيبةٍ
النسيانُ
ذلك الوجهُ الأخيرُ
ذلكَ الجِلدُ الحالك
البراءة الأخيرة،
ما قبل الأخيرة.
أمشي نحو عشيقي
نتعانقُ
والمجنونُ ضَاحِكاً يقول لي:
” لا يوجدُ أحدٌ. هما ذراعاكِ
والهَواءُ”.
غراثييلا أراوثGRACIELA ARÁOZ : ولدت في فيلا مرسيدس، بمقاطعة سان لويس. هي أستاذة الآداب. حصلت على منحة دراسية لإنجاز الدراسات العليا في مدريد، حيث نالت شهادة الكفاءة في تدريس في اللغة الإسبانية وآدابها، وشهادة الإجازة في اللغة الإسبانية. وهي حاليا رئيسة جمعية الكاتبات والكتاب بالأرجنتين. هي عضو في هيئة تحرير مجلة: إيل أولتيمو رينو (المملكة الأخيرة)، وهي عضو في لجنة الأنشطة الثقافية التابعة لمؤسسة “الكِتَاب”، قامت بتخطيط وتنفيذ حملة ترويج الكِتاب والقراءة “الأرجنتين تنمو بالقراءة”. وقد شاركت في العديد من المهرجانات الدولية وفي العديد من معارض الدولية للكتاب في بلدان مختلفة، آخرها هذا العام في هافانا بكوبا.
نشرت عدة دواوين شعرية أهمها: “أمتعة سفر الصمت”، “مساراتُ النار” و”شيطانة”، وفي الدراسة النقدية: أنخيل غارسيا لوبيث، التجديد في الغنائية الإسبانية المعاصرة. بالإضافة إلى العديد من المقالات حول الثقافة والتربية والقراءة والمشاركة السياسية للمرأة في الأرجنتين. حصلت في إسبانيا على جائزة تيفلوس للشعر، وجائزة “بيثينطي ألكسندري” للشعر، وعلى الجائزة الثانية “كارمن كوندي”. وقد ترجمت قصائدها إلى العديد من اللغات، وترجم ديوانها “شيطانة” إلى اليابانية والتركية.
خالد الريسوني، شاعر ومترجم مغربي، (الدار البيضاء، 1965) حصل على الإجازة في الأدب العربي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان سنة 1988، اشتغل سابقا أستاذا للغة العربية وثقافتها بالمعهد الإسباني سيفيرو أوشوا بطنجة. شارك سنة 1985 في المهرجان العالمي للشباب والطلبة بموسكو، كما ساهم في مهرجان الشعر المغربي بشفشاون خلال عدة دورات. التحق باتحاد كتاب المغرب سنة 1986. يتوزع إنتاجه بين الكتابة الشعرية والدراسة الأدبية والترجمة. نشر كتاباته بعدة صحف ومجلات ومغربية وعربية وإسبانية مثل: المحرر، العلم، البيان، القدس العربي، كيكا، شؤون أدبية، دبي الثقافية، العربي الجديد، الثقافة الجديدة، نوافذ، البيان، نزوى، الدوحة، مشارف مقدسية …إلخ.
يعد الاشتغال على الترجمة رهانا أساسيا في مشروع خالد الريسوني، إذ من خلاله يعبر عن رغبة في تشييد جسور التواصل بين ضفاف المتوسط، وقد أنجز عددا مهماً من الترجمات الشعرية لشعراء إسبان وشعراء من أمريكا اللاتينية إلى لغة الضاد. وممّا صدر له في هذا الصدد:ـ
– الرسو على ضفة الخليج (بالاشتراك): أنطولوجية للشعر المغربي والإسباني، الجزيرة الخضراء، 2000
– عن الملائكة/ رفائيل ألبيرتي ، منشورات وزارة الثقافة 2005
– يومية متواطئة / لويس غارثيا مونطيرو، منشورات وزارة الثقافة 2005
– تلفظ مجهول ويليه: ابتداع اللغز، خورخي أوروتيا، عن منشورات(ليتوغراف) بطنجة 2007
– لالوثانا الأندلسية، رواية للروائي الإسباني فرانسيسكو ديليكادو، عن منشورات(ليتوغراف) بطنجة
– اليوم ضباب، خوسيه رامون ريبول، عن منشورات (ليتوغراف) بطنجة
– زوايا اختلاف المنظر يليه: كتاب الطير والسكون المنفلت، كلارا خانيس، عن منشورات (ليتوغراف) بطنجة.
– الأعمال الشعرية المختارة، لفيديريكو غارسيا لوركا، عن منشورات(ليتوغراف) بطنجة 2010
– الكتاب خلف الكثيب، لأندريس سانشيث روباينا، عن منشورات(ليتوغراف) بطنجة 2010
– مائة قصيدة وشاعر، خوسيه مانويل كاباييرو بونالد، (منشورات سليكي أخوين) 2012
– وصف الأكذوبة يليه: يشتعل الخسران، أنطونيو غامونيدا، منشورات بيت الشعر في المغرب، 2012.
آخر ما أنجزه الريسوني العمل الشعري الموسوم بـ: خلوات وأروقة وقصائد أخرى يليه: حقول قشتالة، للشاعر الإسباني المرموق: أنطونيو ماشادو، و “بإيجاز” للشاعر الإسباني ليوبولدو دي لويس، ويستحق العناء للشاعر الأرجنتيني: خوان خيلمان، وكسيريات، يليه: ملاك الظلمة وأسرار الغاب للشاعرة الإسبانية كلارا خانيس.