فصلان من رواية “الملف 42” للكاتب المغربي عبد المجيد سباطة

هذه الرواية سوف تصدر بالانكليزية عن دار Banipal Books بترجمة رافائيل كوهين.
وكانت هذه الرواية ضمن روايات القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية للعام 2021.

عبد المجيد سباكة، الملف 42، صدرت عن المركز الثقافي العربي

 

(2’) الاعتداء

هي القصة نفسها التي تتكرر دائما، ذلك الشخص
الذي لم يسمعه أحد، ولم يعره أحد أي اهتمام، فيعاقب
الجميع بإجبارهم على متابعة ما يمكنه فعله.
ر.ج. إيلوري

 

الثلاثاء 14 ماي 2002
شاطئ سيدي العابد – الهرهورة:

 

مستلقيا على السرير، ألاعب قلم الحبر بأصابعي، وبجانبي دفتر تماريني، عاجزا عن حل مسألة سهلة في مادة الفيزياء، ولا غرابة في ذلك، ما دامت رغبتي في حساب قيمة الشحنة Q0 مصطدمة بانشغال ذهني بالبحث عن حل مسألة أخرى أكثر صعوبة :
لماذا تدهور مسار حياتي هكذا ؟
أنا بالنسبة للبعض نموذج سيئ لأي فتى مدلل أراحته حياة الثراء وأثرت الرفاهية على قدراته العقلية، فكبلته بقيود البلادة والكسل.
لكن الحقيقة مجانبة تماما لهذا التصور !
فزهير بلقاسم، ابن الطبيب المرموق يونس بلقاسم، والمحامية الصلبة حنان الفارسي، كان فتى مؤدبا مطيعا، على طريقة “كريم” الطفل النموذجي في مقرراتنا الدراسية المضحكة.
تلميذ متفوق، يهوى ركوب الخيل ويتقن لعب الشطرنج، ويحظى بإعجاب وتقدير أصدقائه ومعظم أفراد عائلته.
لكنه ابتلي بوالدين أنانيين، أعماهما الطمع وأحلام الثروة والمقارنة مع فلان وعلان، ونسيا سنوات زواجهما الأولى، كشابين سعيدين يعيشان في منزل صغير بأثاث بسيط، فتسابقا نحو تسلق سلالم النجاح، ولو كلفهما الوصول إلى قمتها اعتلاء ظهر أحب الناس إليهما.
ابنهما الوحيد، الأصغر من أن يفهم حقيقة ما يجري من حوله حسب اعتقادهما…
الأب يستغل مهنته لاختبار فحولته، والأم تطوع فصول القانون خدمة لمصالحها الغامضة !
والإبن بينهما، يعاني في انتقاله بين خانتي الطفل المسالم والمراهق الشرس الذي يتعمد إثارة المشاكل من حوله، كوسيلة احتجاج بلا جدوى، لتحذيرهما من غرقه في دوامة الضياع.
قلبت دفتر تمارين الفيزياء بين يدي بازدراء، ثم رميته بعيدا بكراهية شديدة، كما لو أنه المسؤول المباشر عن مشاكلي، ثم هرعت إلى حقيبة ظهري، باحثا بلهفة عن الحل السحري الجميل…
رشفة من زجاجة فودكا سرقتها من ثلاجة أبي السرية، رغم عدم ملاءمتها لشهر ارتفعت فيه درجة الحرارة لتبلغ مستويات قياسية.
ما أعظمكم أيها الروس، صنعتم مشروبا أسطوريا يطير بصاحبه لسابع سماء !
لا بأس برشفة واحدة أو رشفتين، قبل قدوم أمي لاصطحاب الغالية، لتبدأ بعدها سهرتي الحقيقية، ولتذهب تمارين الفيزياء وامتحان الباكالوريا نفسه إلى الجحيم…
ستكون سهرتي أنا، بصحبة البحر والنجوم…والفودكا !
ألهب المشروب حلقي، لكنه استفزني للاستزادة، فألصقت فوهة الزجاجة بفمي، متحديا نسبة كحوله العالية وخطورة فقدان السيطرة على نفسي قبل عودة أمي، لترتفع حرارة جسدي بعد دقائق معدودة، وينطلق لساني بما عجز ذهني عن تفسير معناه.
– الغالية ! يا أفقر وأجمل من رأيت في حياتي…تعالي إلى هنا !
لم يستغرق الأمر سوى بضع ثوان لتظهر أمامي، منتبها لتحول إنهاك ملامح وجهها المليح إلى توجس لن يكون سببه الرئيسي سوى الزجاجة بعدما أخفيتها وراء ظهري.
– ما اسم القرية المعدمة التي تنجب فقيرات بمثل جمالك الخارق ؟
رفعت حاجبها الأيمن تعبيرا عن دهشتها العارمة، أو دلالها الفطري لا فرق…
– متى ستعود لالة حنان ؟ لقد تأخرت كثيرا !
حمل صوتها نبرة خوف واضحة، فحاولت طمأنتها بجواب أكثر اتزانا :
– هكذا هي أمي، لا شك في أن إغراء الثرثرة مع صديقاتها سينسيها موعد عودتها إلى هنا، لا مشكلة، ما رأيك بأن ننتظرها معا ؟
مددت يدي نحو الفراغ، مفسحا لها مكانا للجلوس بجانبي، فلم تتزحزح قيد أنملة.
– لقد فشلت في حل تمرين الفيزياء، لكنني واثق من قدرتك على مساعدتي، رغم أنك مجرد قروية جاهلة لا تفقه شيئا في العلوم، يتعلق الأمر بمولد للتوتر، ومكثف ووشيعة…
– معذرة يا سيدي، أنا مضطرة للذهاب.
تجاهلت عبارتها المقاطعة مواصلا :
– لنتخيل معا بأن مولد التوتر هو أنا، والمكثف هو الزجاجة التي أرعبتك…
ثم نهضت بحركة خاطفة للانقضاض عليها مضيفا :
– والوشيعة ذات المقاومة المهملة هي أنت…
شلتها المفاجأة، بما سمح لي بتطويق وسطها بذراعي والاقتراب من عنقها بشفتي، لكنها تمكنت بلياقتها المذهلة من التملص مني ثم مواجهتي بتحفز :
– من تحسب نفسك أيها الحقير ؟ ابتعد عني وإلا حطمت أسنانك !
كانت صرخة هادرة تراجعت بعدها لتغادر بما يشبه الهرولة، فيما ابتسمت أنا باستمتاع، مدفوعا بإثارة صوتها المبحوح لتكرار المحاولة من جديد.
– يبدو أن معركة تطويع اللبؤة لن تكون سهلة، بما يؤكد أن المرأة اختصار واضح لسر الحياة، لا تمنحك ما تريده إلا إذا كنت جديرا به…
كان كلاما غريبا شعرت معه بأن ارتفاع درجة حرارتي يضغط بقوة على أنفاسي، فنزعت قميصي المبلل بالعرق ثم لحقت بها إلى البهو.
– لا تكوني عنيدة، أنا لا أفكر سوى في مصلحتك، بم ستنفعك أشغال أمي الشاقة إن لم يتخللها قضاء بعض الأوقات الممتعة معي ؟ هل أنت…
لم أكمل عبارتي، بل حولتها إلى ضحكة ساخرة بعدما التقت نظراتي بعيني الغالية الجاحظتين وهي تعتصر مقبض سكين المطبخ بيدين مرتعشتين وتحتمي بطاولة الطعام في غرفة المعيشة.
– سأخبر لالة حنان بكل شيء !
شجعني المشروب البارد الذي سرى في عروقي على تجاهل تهديدها والاقتراب منها أكثر، فنجحت مرة أخرى في الإمساك بمعصم يدها اليمنى، مطمئنا ربما إلى أنها أجبن من أن تهاجمني بسكينها.
ظن سخيف دفعت ثمنه بعد مرور ثانية واحدة فقط….
لم يكن الجرح غائرا أو خطيرا، لكن الدماء القانية أغرقت ذراعي وأطارت صوابي، فصرخت في هياج :
– أيتها الحشرة الوضيعة، كيف…
أعماني الغيظ، ولم أجد أمامي سوى المزهرية الخزفية الثقيلة لأقذفها بها، فنجحت هي في تفاديها بصعوبة، لكن مؤخرة رأسها اصطدمت بمقبض النافذة المقابلة، لتسقط أرضا فاقدة الوعي، وقد انبجست الدماء ملوثة وشاحها المزركش.
منحني سعار الغضب وجنون الشهوة قوة إضافية أنسنتي آلامي، فحللت حزامها ومزقت ثوبها الوردي المهترئ، كآخر عقبة قبل تحطيم بوابة الدخول إلى قلعتها الحصينة…
ألم أقل لها بأن شرط حل تمرين الفيزياء هو وجود وشيعة مقاومتها مهملة ؟

* * *

فيديو برنامج التقرير النهائي – حلقة خاصة عن مذبحة ثانوية كولومباين –
قناة ناسيونال جيوغرافيك – إنتاج عام 2007

مقطع من الدقيقة 18 إلى الدقيقة 20 :

(صوت المعلق في الخلفية) : إنه الثلاثاء 20 أبريل، عام 1999…
انتهت ثورة غضب التلميذين إيريك هاريس وديلان كليبولد في ثانوية كولومباين.
التلاميذ في صدمة !
(تلميذة تبكي بحرقة) : كنت تحت الطاولة، وكان الناس من حولي يتلقون الرصاصات !
(تلميذ يتحدث وعلامات الصدمة بادية على وجهه) : كانت معهما أسلحة أوتوماتيكية وبنادق وقنابل أنبوب..
اختطف الموت 12 تلميذا (4 فتيات و 8 شبان)، أستاذا، والتلميذين مطلقي النار بعد انتحارهما.
في المدرسة وجد رجال الشرطة قنابل أنبوب وأغلفة رصاص، أدلة تركت في المكان الذي شهد أسوء عملية إطلاق نار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وقد دفع مستوى العنف غير المسبوق رجال الشرطة ومسؤولي المدرسة إلى التساؤل :
هل لاحظ الأساتذة في ثانوية كولومباين إشارات تحذير ؟
في تلك الليلة، في منزلي إيريك وديلان، عثر رجال الشرطة على كم كبير من الأدلة، تتضمن ذخائر  وأنابيب معدنية وفتيل مفرقعات، بالإضافة إلى مقالات ويوميات تحض على العنف.
وجدوا كذلك مجموعة من أشرطة الفيديو، أعدها إيريك وديلان قبل أشهر من المجزرة.
تحولت المدرسة، بعد مرور أيام على عملية إطلاق النار، إلى نصب تذكاري تكريما للضحايا…
ليبقى السؤال المحير جاثما على أرواح كل المفجوعين بما حصل :
س : لماذا لجأ إيريك وديلان إلى هذا التصرف الإجرامي ؟

* * *

(3) حكاية أمريكية 

إن المرأة لا تفهم الحب، وإذا أحبت فإنها لا تحب إلا الرجل الخطأ.
عبد الرحمن منيف

 

الخميس 26 سبتمبر 2002
سنترال بارك – مانهاتن :

لم يخالف براندون توقعاتي بموافقته على مقابلتي، وبلا أدنى تردد، متناسيا المشاكل السابقة التي دمرت صداقتنا لثلاث سنوات، أراحني أنها لم تغيره مطلقا، بعدما حافظ على رفضه المعتاد لتناول وجبة العشاء معي في أحد مطاعم مانهاتن التي يسخر من فخامتها، مفضلا شراء علبتي مياه غازية وشطيرتي هوت دوغ، سنلتهمها –على حد تعبيره- في الهواء الطلق.
– موعدنا في سنترال بارك، بالقرب من البحيرة الجنوبية، بعد نصف ساعة من الآن.
ثلاثون دقيقة، كانت كافية لأستعيد جزءا من ماضي علاقتي بهذا الرجل…
التقيت به لأول مرة في دنفر عام 1984، ضمن برنامج خاص يشارك فيه طلبة الجامعة لإعادة تأهيل الجنود الشباب العائدين من جبهات القتال ومساعدتهم على استكمال دراستهم والاندماج في الحياة المدنية بشكل طبيعي.
شاب وسيم في مقتبل العمر، طويل القامة، عريض المنكبين، حليق الوجه، تحمل عيناه الخضراوان حزنا دائما، ولا أصعب من رؤيته مبتسما، ما منحه جاذبية فريدة من نوعها.
رجل دمرت الحرب حاضره بقتلها رفاقه، وأجهزت على مستقبله بقطعها ساقه اليمنى…
أصيب براندون في تفجيرات ضربت مبنى تابعا للقوات الأمريكية في العاصمة اللبنانية بيروت سنة 1983، مدينة لا أعرف حتى موقعها على الخريطة، ولا أعتقد بأنه كان يعرف عنها الكثير أيضا عندما أرسلوه إليها وهو بعد في التاسعة عشرة من عمره.
عاد الجندي الجريح من الجحيم اللبناني مصدوما ومحطما، واضطر الأطباء لبتر ساقه وتعويضها بأخرى صناعية، سيكون مجبرا على التعايش معها مدى الحياة…
علمت بالأمر بعد مراجعتي للتقرير المرفق بملفه، أما الاعتماد عليه هو للحديث عن ماضيه فكان أقرب للمستحيل.
وجدت فيه شابا لطيفا رغم وجومه الدائم، تفهمت انطوائيته وحبه للعزلة، فتعاطفت معه، باذلة كل ما في وسعي للتخفيف عنه، وبدافع إنساني يتجاوز ما كلفتني به إدارة الجامعة.
عرفته على مرافق الكلية، وقدمت له بعض النصائح والإرشادات حول دروس السنة الأولى، كما ساهمت مع بعض الأصدقاء في الإعداد لحفلة صغيرة رحب من خلالها زملاؤه الجدد بقدومه، مصفقين له بحرارة، كبطل تحدى كل الصعاب، مدافعا عن العلم الأمريكي بشجاعة وإقدام.
كلام عاطفي تفاعل معه بشبح ابتسامة نادرة أدركت فيما بعد أنها مستهزئة لا مبالية…
انتهت مهمتي مع البداية الرسمية للموسم الدراسي الجامعي، فالتحقت بأصدقائي في السنة الثالثة، تخصص الآداب المعاصرة، دون أن يمنعني ذلك من التواصل معه من حين لآخر، حسب ما يسمح به وقتي أنا وربما رغبته هو أيضا، ليقرر فجأة فتح أول كوة في جداره المنيع، يوم عيد ميلادي الواحد والعشرين، ملبيا دعوتي لحضور الحفل، حاملا بين يديه هدية صغيرة وأنيقة.
رواية السيدة دالواي لفيرجينيا وولف، بطبعة حديثة وتغليف فاخر، وإهداء جميل لم أكن بحاجة لخبرة في علم الخطوط لأدرك بأنه كتب بيد خجولة مرتعشة.
كانت تلك البداية الحقيقية لصداقتنا الطويلة، بعد عثوري أخيرا على من يشاطرني شغفا لا يلقى أي اهتمام من شلة أصدقائي.
القراءة…
ساعدني براندون على اكتشاف عوالم لم أدخلها من قبل، علمني كيف أرقص مع زوربا، رافقني في جولة مرهقة مع ليوبولد بلوم في شوارع دبلن، كما فعل جويس في عوليس، دثرني بمعطف أعانني على احتمال برد سانت بطرسبرغ أثناء ملاحقتنا لراسكولنيكوف، الحائر بين الجريمة والعقاب، حاول فك رموز لاطمأنينة بيسوا معي، ثم قادنا تيه مئة عام من العزلة إلى لقاء سريع بالغريب، سبق عودتنا إلى وطننا، كاثنين على الطريق مع جاك كيرواك، نبحث عن غاتسبي العظيم، ونتجنب كل ما قد يجذبنا إلى دوامة الصخب والعنف مع الحارس في حقل الشوفان.
سألته وقتها عن سر ولعه بالكتب فقال ببساطة أدهشتني :
– الأدب ليس خيالا محضا كما يتصور البعض، الأدب هو الحياة، وأجمل ما فيه تأرجحه على خيط رفيع بين الواقع والخيال، ولا أحسبني قادرا على فهم عبثية حياة سلبتني كل شيء، إلا إذا أمسكت بطرف هذا الخيط الذي سيقودني إلى حل عقدتها !
وهكذا تطورت العلاقة بيننا، مع إصراري على إبقائها ضمن إطار محدد لم أكن لأسمح له بالانزلاق نحو ما تريده سيناريوهات هوليوود…
تحدثت والدتي عن العلامات الكونية والتاريخ الذي يعيد نفسه، وكررت على مسامعي قصة وقوعها في غرام والدي ثم زواجها منه مطلع الستينيات، بعد لقاء رتب له القدر بينهما في مدرج كلية درسا فيها معا، كما شجعني والدي على التقرب منه، مظهرا إعجابه بمن ذكره بشبابه كجندي قضى هو الآخر بضع سنوات من خدمته العسكرية خارج الولايات المتحدة، كان خلالها أفضل حظا من براندون، بعمله في مناطق أكثر استقرارا، وعودته إلى بلده سليما معافى.
فهمت قصدهما الواضح، وتظاهرت بالعكس، فهما يعلمان بأن علاقتي بالشاب لن تتجاوز حدود الصداقة، ما دام قلبي محجوزا ومشغولا بشخص آخر.
هل كان اختياري في محله ؟
لا أدري…
فات الأوان على طرح السؤال !
كل الفتيات يعجبن في البداية بمراهق صدامي متمرد لا يتقن سوى تمريغ كرامتهن في الوحل، ويحتفظن بفتى طيب ودود ك”صديق”، وحدها الغبية التي تصر على تجاهل مشاعر الثاني، ماضية في علاقتها مع الأول حتى النهاية، معتقدة بأن السنوات ستغيره ليصبح حبيبا ناضجا ثم زوجا مثاليا.
الأول هو مايك.
الثاني هو براندون.
والغبية هي أنا…
المهم أن نهر الحياة واصل جريانه الطبيعي، تخرجت من الجامعة بتقدير جيد، وحصلت على وظيفة كأستاذة في ثانوية كولومباين، تزوجت ممن اختاره قلبي، ثم أنجبت، لأغرق في الروتينية والرتابة التي تعيشها أي أم أمريكية عادية.
أما براندون فكان أكثر حظا (أو شجاعة) مني، رافضا الخضوع لما سماها أغلال الرأسمالية المتوحشة، فاكتفى ببضع سنوات اكتسب فيها الخبرة كمحرر ومدقق في دار نشر كبرى بنيويورك بعد تخرجه من الجامعة، ثم انطلق لتحقيق حلمه بالعمل كوكيل أدبي مستقل، يقرأ المسودات، يوجه الكتاب وينصحهم، ثم ينوب عنهم في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم مع دور النشر ووسائل الإعلام.
كان مؤمنا بأن السعادة هي في تحويل شغفه بالقراءة والأدب إلى عمل يكسب به لقمة عيشه،  ونجح في ذلك إلى حد بعيد، ما سمح له بالاشتغال أيضا في وظيفة ثانية لا يقل شغفه بها عن حبه للأولى.
أن يكون ملاكا حارسا، يختفي طويلا ثم يظهر في الوقت المناسب لإنقاذي من العواصف التي سلطها القدر على سفينة حياتي.
لم يكن عقد التسعينات رحيما بي، فقد اختطفت والدي نوبة قلبية مفاجئة في بدايته، وحرمني السرطان من والدتي في منتصفه.
ثم صعقتني مذبحة ثانوية كولومباين وانهار تماسك أسرتي الهش في نهايته…
اهتم الجميع بما جرى في اليوم المشؤوم، وحظي الضحايا الأبرياء بالتعاطف والتضامن، ولم يفهم أحد حقيقة دوافع إيريك وديلان لارتكاب المجزرة المروعة.
وأنا ؟
مجرد محظوظة أخرى، لم تفقد حياتها رميا بالرصاص، ولم تصب بجروح، طفيفة كانت أو بليغة، وليست والدة أو قريبة قتيل أو جريح. لن يهتم أحد بانطباع صور القتلى ورائحة الدماء وأصوات إطلاق النار في ذاكرتها، أو عجزها عن التخلص من رعب مميت سيطر عليها، يوم اختبأت تحت الطاولات مع طلبتها، تترقب وصول المراهقين المسعورين إلى الطابق الذي يضم حجرتها الدراسية.
أدخلتني آثار الحادثة في نوبة اكتئاب حادة، تطلبت خضوعي لعلاج نفسي مركز استغرق أسابيع طويلة، واستنزف من جهدي وطاقتي الكثير، وسط لا مبالاة مقرفة من زوج حقير استخف بي، ولم يكلف نفسه عناء الوقوف بجانبي في محنتي، معبرا عن ضيقه التام من دخولي في حلقة مفرغة تتأرجح بين الأرق والاستسلام للكوابيس، ثم الإدمان المرضي على تناول المهدئات القوية.
نقطة أفاضت كأس احتمالي الطويل لأنانية رجل لم أشعر ولو لثانية واحدة خلال سنوات زواجنا بأنه يهتم لأمري، فطلبت الطلاق وانتقلت للعيش وحدي في منزل والدي، مفجوعة بتفضيل سيندي ورونالد البقاء مع والدهما.
ثم ظهر براندون فجأة لينقذني من ضربة قاضية لم تكن لتقودني إلا إلى الجنون أو الانتحار.
جاء حاملا معه الحل، أو القلم الذي كتبت به فصلا جديدا من حياتي…

تُنشر هنا بالاتفاق مع المؤلف.

SHARE