“على حافة اليوم أرملة بيضاء” قصيدة للشاعر العراقي عدنان عادل

Adnan Adil new
عدنان عادل Adnan Adil

 

أقضي أيامي
مُزيحا الستارة عن النافذة
ومُسدلة عليها
مهمة أتقنها وأمارسها كل يوم
مرة، مرتان أو أكثر…
لا أتذكر

كان ذلك منذ زمان أشبه
ببيت الأرملة البيضاء القاطنة قبالتي
على كرسيها أمام النافذة
بهدوء تعد أصابعها تحت نظرات مُملّة
لكلب في غاية الاطمئنان
لا ينتظر شيئا سوى
لحظة إغماضته الأخيرة…
أحيانا
بإغماضات متتابعة
يتحضر للتوبيخ
يدني رأسه على قائمتيه
ويترك أمانيه سائبة كذيله
عندما تحيك الأرملة الأيام بأصابعها
عندما يزيد أو ينقص إصبعا
عندما
تنهي الحياة لعبتها
بعواء مكتوم

وكأنه يقول:
“كنتُ كلبا أجيد لحس اللغات
أصبحتُ إنسانا يجيد لغة الكلاب”
لا أتذكر…
يومها كان الزمان يتساقط مثل نظراته
التي أنستني اللغات كلها
في عالم مكتظ بالكلمات
وأنا بكامل فراغي

أراها
بين حين وأخر
تغرز إبرا على الستارة…
لماذا؟
لا أتذكر
كان ذلك منذ زمان أشبه بنسيجها
بالكلمات المرسومة على الدانتيلا المتروكة
على ركبتيها
بالغربان السارحة في عينيّ
عندما تحلّق فوق حقول دانتيلتها

كان زمانا رقيقا،
شفافا ومازال
أراه ويراني
أراه رغم قتامة المسافة
يتسرب من بين أصابع بيضاء
ويراني كيف ألتهم أيامي وتلتهمني
مرة، مرتان أو أكثر…

لا أتذكر كم مرة عشتُ
وكم مرة أموت

كنت أرى
في الشارع المطّرز بالسيارات ومظلات
المارة الملونة
حياة تدبّ ككارثة جميلة
لها ترتجف أصابع الأرملة
لها يسيل لعاب جسدها وتهتز
في غفلةٍ
شِباكها اللزج

كارثة جميلة
في طلعتها تشبه شيئا مني،
مني أنا
المتمرس في إزاحة الستارة واسدالها
على وجهي الذي كان
في لحظة فرحا
كونه يشبه كارثة جميلة
يتفحص العالم من خرم إبرة شُبكت
على حافة اليوم
غُرزت على مؤخرة فيل
على حافة الستارة

19.03.2017
Bruxelles

عدنان عادل: شاعر عراقي من مواليد عراق- كركوك مقيم في بلجيكا
[email protected]

SHARE