“رياح اليوم القادم” قصيدة للشاعر الفرنسي جلبير مونتيني ترجمة جبار ياسين

Gilbert and Jabbar kikah
جلبير مونتيني وجبار ياسين

جلبير مونتيني شاعر فرنسي مغمور بإرادته.ولد في مزرعة والده الصغيرة في العام 1934 في نوفيل قرب مدينة بواتيه. لم يحصل على تعليم عال واكتفى بشهادة الابتدائية ليعمل في مزرعة والده. في شبابه شارك في حرب الجزائر كمجند في قوات المظليين. تركت الحرب آثارها عليه “جرح عميق لن يندمل حتى بعد موتي” كما يقول. اثناء مداهمة منزل في الجزائر العاصمة فتح النار وقتل اربعة من الثوار مع زوجة واحد منهم. لم يغفر لنفسه تلك الفعلة فأصيب بالجنون. وضع في مصحة نفسية لعام ثم سرح من الجيش وعاد للعمل في مزرعة والده حتى تقاعده. لم يخرج من مزرعته منذ عودته اليها قبل 55 عاما. انجبت زوجته 13 طفلا ومنحها الرئيس الاسبق ميتران وسام الامومة الذي لم يحضر الزوج مراسيم تسليمه. لم ينشر جلبير مونتيني كتابا شعريا، رغم كتابته للشعر منذ 50 عاما وكل يوم، كما يصرح. نشر قصائده في مجلات فرنسية كثيرة ولم ينشر في المجلة الواحدة اكثر من مرة وقد نشر بعض قصائده بأسماء مستعارة. اغلب قصائده هي استذكار للعالم قبل ان يدخل في عزلته. يكتب قصائده على الورق بقلم الحبر التقليدي ويرفض استعمال الهاتف المحمول والانترنيت. يقضي و قته، وقد تجاوز الثمانين بعامين، بين مكتبته وحديقته واحفاده واحفاد ابنائه.

رياح اليوم القادم

ليوليونيس

 

هبي ايتها الريح
هبي من الجنوب
فالعالم بحاجة الى رقصة
الى ريش يغطي عورات ذنوبه
الى رمل وحصى بركاني ينزع اصداف جلده النتنة
الى عويل يرطب صدأ حنجرته
انت دائما في المقدمة كموسيقى فاغنرية
تعزفها هوائيات ايوليونيس “1”
حينما تتهرأ الحضارات
وانت سيدة بلا خمار
تتثاءب وتعطس بلا نفاق انثوي
لا تتكحل ولا تتحمر
ولم تشتر المساحيق ابدا
باهرة بجمال يلامس الشهوة.
اسمعي يا هيلين، يا اجمل امرأة في اسبارطة
منذ يوم طروادة لم نخض حربا من اجل الجمال
طوبى لمن دافع عنك
المرميديون انصرفوا حزانى
فاخيل لا يرافقهم في رحلة العودة من طراودة المحطمة
تركوا دخان المدينة مختلطا بدخان جثمانه
اوليس القى نظرة اخيرة عليه
ثم اعتلى قيدوم مركبه
ناظرا الى الأفق، لا على جثة صاحبه
واختفى في منفاه.
اسمعي انت الراقدة الى جواري الآن
العرب يحرثون بحار الننفط
بعد ان فتحوا نصف الدنيا بسيوف لايزن الواحد منها رطلا
ممتطين صهوات خيول اصيلة تجمح
حينما يتوقف الفتح
الجرمان تقهقروا من سهوب روسيا
مكبلين بالجليد وحول فيالقهم تهب رائحة الهزيمة العطنة
والفرنجة منشغلين بمراياهم المحدبة
يبصرون العالم منفوخا كثوب عارضة الأزياء
بينما الأرض تتقلص يوما اثر يوم
حتى المقابر صارت غالية الثمن
تدفع ثمن قبرك من عرق جبينك لثلاثة شهور
لتحظى بقطعة مرمر وشاهدة
بضعة زهور اقحوان في عيد الموتى
وصك تمليك لقرن
لم يعد الجليد ابيضا على أغصان الرند التي تحيط القبور
الهواء ملوث بدخان وبنترونات رسائل الهاتف
ونحن مازلنا نتنزه يدا بيد
على رمل الساحل في جزيرة ليل دو غييه”2″
الطقس جميل هنا حين تخلو السواحل من المصطافين
اقدامنا تتبارك بالرمل وقطع الاخشاب التي يرميها الموج
نبحث عن نجمة البحر التي جفت
وعن عظمة بيضاء
هي بقايا اخطبوط رمته الاقدار ميتا
نجد الصدف الميت ونضعه على آذاننا
لنسمع موسيقى بحرية خفتت منذ سنين ضوئية
لن يتوسع البحراكثر من هذا
مادام الكونكريت يطبق على اطرافه
ومادامت ساعة البلدية في القرية
متوقفة العقارب منذ زمن نسيه اهل قرية آرس
فالزمن لم يعد يهم احدا
مادامت شاشة الهاتف المحمول تشير اليه
ثانية، ثانية
والناس تغيروا
بعد ان انقلب عليهم سحرهم
تعالي ايتها الموجة
تعالي بتؤدة و دلكي اجسامنا
من عفن الأسمدة الصناعية ورائحة المبيدات
– الدفء قرب موقد، آه ما اجمل تلك الليالي البيضاء
كنا نقول ونحن مازلنا نسير بين القبور المطلة على الأطلسي
نطالع الزهور التي جفت في الاصص
كما نطالع كتابا برقاق قديمة
والصلبان الذهبية التي صدأت من قطرات صمغ اوراق الحور
والمسيح المسجى الذي حال لون جسده الى البياض
وخلايا النحل التي تحفظ رماد الموتى.
في يوم بعيد
كنا نسرق الصلبان من القبور
لنزين بها جدران غرفنا العارية من الفنون
للصلبان فن قديم
اتقنته البشرية قبل يسوع وباراباس
الصلبان، الصلبان
هي علامة مفتتح جحيم الأرض
مستقيمة ومعقوفة
تقولين لي : لنترك زهور المقبرة ونمضي للعراء
الى الحقول المحروثة في الخريف
بأنتظار الحبة التي ستثمر ذهبا
حيث الأرانب البرية تحفر جحورها
والقطا يتخفى بين كتل الأرض التي لم يهرسها المحراث
تعالي لنفرح بشواطئ الجزائر و الأسكندرية وروايون وسان مالو
لم نرها منذ عقود خلت
ولن ننسى شاطئ الغولدمور على مرمى حجر من عدن
الموج هناك ابيض، ضاحكا مازال، مليئا بالفاكهة البحرية
والنجوم في الليل اكثر بريقا من نجوم المدن المنارة بالكهرباء
هل تعرفين ابن الصباح وقلعة ألموت ؟
يوما كان يجمع اصحابه في المروج
يوزع عليهم صولجانات الآخرة
فيمضون بلا رجعة مسرورين بوخزة السيف
الذي ينقلهم للجنان.
تعالي لنقص على بعضنا حكايات اسلافنا
المساء قريب
والليل سيكون مفتاحا لباب اللذة وانغام الكلام
كلمات، كلمات / كلمات ,”3″

الأسلاف

اسلافنا احبو البيرة في اول الزمان
ثم يوما ما عرفوا النبيذ مع الغزاة فصار ديدنهم
برابرة كانوا يمتهنون الصيد وجمع الفطر
ويتبركون بنبتة الهدال الوحشية
في الشتاء يشوون التفاح مع الكستناء
ولم يعرفوا العجلة ولا الأبجدية ولا المشط
عيونهم زرق وشعرهم الطويل اشقر واشعث
وحين تظطرب السماء با الرعود
كانوا يقرأون التعاويذ ويرتجفون هلعا
مازلنا مثلهم برابرة
انوفنا صغيرة ولا ننظر ابعد من ارنباتها
لكن التفاح يأتينا بالشاحنات من مزارع تور والنورماندي
ومزارع انكلترا وجنوب افريقيا البعيدة
نكرع عصيره في الليالي مع رقائق سكرية
الفرنسية صارت لغتنا نلفظ مفرداتها بحروف مختصرة
ونغنغن راءها وحروف العلة تلوي شفاهنا
في كل جلسة نضع مكبرات الصوت
لتتساوى النبرات.
عيونك زرقاء يا جميلتي
وشعرك اشقر مصفوفا بمشط يشبه مشط نفرتيتي
لكنك تمارسين الحب على سرير وارف
وتتأوهين مثل حمامة تهدل
تسكرين بكأسين من النبيذ فتعربدين بهلاوس شبقية
تنتظرين الجليد كي نهرع للسرير
ونتذكر العطل على سواحل البحر الاحمر في الربيع
كيف اصف المشهد ؟
كنت ثملة ولم ترين الأهرامات من نافذة الطائرة
الغرانيق كانت تتجول قريبا منا
مناقيرها في الطين تبحث عن الحياة
السماء زرقاء ابدا
واسماك القرش تسبح في مجموعات عائلية
في اوربا كان المطر يتساقط على شارع ضيق
بين الاوديون وساحة اللوكسمبورغ
والبشر يتراكضون كما لو انهم يهربون من وحش كاسر
في عيد الميلاد قلت انك لن تنامي قبل الفجر
لكن الكحول صرعك في اول جولة
بقيت وحدي اتذكر مترو ساحة الكونكورد
متعجبا من مساء يوم دينونة مبكر
افلت من انجيل القديس يوحنا
من تراب انت فأدفن التراب
لا تترك ظلك يسبقك
فتقضي حياتك تابعا لموتك
ولا تكسر مرآة فتتركك زوجتك لعشيق غريب
فكر بموتاك حينما تحرث الأرض
وقلد الشجرة وساما
انها الباعثة لأجساد الأسلاف
والعصافير ليست الا ارواحا بريش
هل عاشرت ابي الحناء
و ذقت من وداده ونظرته الحانية ؟
لكن لا تثق بالعقاب
فهو الابله، الغيور والعبد المختار،
لا يطفئ ضمأ حنجرته غير حرارة الدم الشاخب
ضع ثقتك في القندس
فهو المتعفف عن النور، والعارف بمسالك ظلمات الأرض
وطعم الجذور واصناف عطرها
لا تقولي شيئا الآن
انتظري بزوغ النرجس في شباط
ففي ليلة واحدة يشق الأرض
ليجعل الصباح مثمرا بعد الأذان في جامع الازهر
حيث القاهرة دينونة لبشر سائرين الى حتوفهم
انتظري الضحى قبل ان تزيحي شراشف السرير
لأننا سنتبادل الحديث
حول فنجاني قهوة عربية من مقا
ستكون غلمتنا هادئة
سنشتاق للماء كي نطهر جسدينا
مهمتنا مضت مع مياه النهر في الليل
الوقت الآن للتأمل في تاج الوردة
انت التي تحبين قطف الداليا والجوري والبفوان
وتسمينهن الاخوات الثلاث
أمبراطور الصين احرق الكتب وبنى الجدار”4″
لكي يمسح الوراء من التاريخ
لكنه نسي العملة المسكوكة بوجهين
ونسي الداليا التي بقيت مزهرة ذلك العام
وهاجرت وغزت الدنيا
كل نهاية صيف تزهر جوار الكروم
وفي حدائق الشيوخ الطاعنين في السن
فهي تعرف مسالك النور
سنمضي اليوم الى اثينا لنطرب بصوت سافو “5”
نشعل بخورا يمنيا في الاكروبول
وبزيت الزيتون نتبارك
سنمرق للسلام على بابل
لندرك الليل في حانات بغداد
نأخذ حماما ونسمع النواسي يقرأ غزلا بالغلمان
يدركنا الفجر في دمشق فنشم رحيق وردتها الحمراء
ماهكذا السفر، تقولين
بل هو حدود وكمارك وتفتيش و ممنوعات
لكن اليس غاليلو على حق ؟
كل شئ يدور
حتى الانسان يدور على نفسه
عطر البرتقالة اشهى من كيمياء المخابر
لا عجب ولا رعب حينما يسدل الليل ستاره على غابة تسير
حسب الاوراق تتراقص جذلة في ليلة صيف
فالذي لم تلده أمرأة سيقتل هذه الليلة مكبث ” 6″
بالدم يوقف نزف الدم.

العودة

العودة دائما اطول من الذهاب حتى في اقصر ايام السنة
ماركو بولو قضى حياته في الصين حائرا
كان يفكر بمسالك العودة من الشرق
هل يتبع الشمس مثل الاسكندر المقدوني
ام يطل على الجهة الاخرى من الدنيا
ليدرك الغرب ؟
يوما اتته فكرة ان يستبدل عينه بمحارتين
لكنه نسي الأمر حينما ناداه الأمبراطور
ليقضي الليلة مع غانية من غانيات القصر
في الفجر وقع في بئر الحب
وانتهى متسولا يطرق ابواب فينسيا بحثا عن ملجأ
لم يجد غير صورة ابيه
اما الماضي فكان سرابا بعيدا
ذات ليلة،اطفأ نور غرفته ثم اطفأ نور الحياة ” 7 “
المراكب انتظرت طويلا
وفي مساء هبت عاصفة فمزقتها وجعلت من خشبها
مخابئا للأسماك الصغيرة
يتذكر اوليس غناء الحوريات في رقدته قرب بنلوب
لم تشده زوجته الى حافة السرير
مضى الشباب، يقول لها
فتعود لتغزل الليل وتخلط خيوطه مع النهار
تيلماك صار رجلا
وغدا سيتزوج ويسكن بيتا على اطراف ايثاكا
سيرعى اغنامه وخنازيره في المروج
ويطل على البحر في ساعات القيظ
علينا تجهيز عرسه منذ الآن.
اوليس سيقضي النهار يقص رحلته لأرجوس “8”
الكلب ينام في قبره في الحديقة
ولا احد يسمعه بعد ان طرشت بنلوب
ايها الانسان
لا تفرح اكثر من ساعة الفرح
فالحزن يتربص بك كعدو عند مضيق مسينا
عيني كيريدس تتربصان بك كل ساعة ” “
اكتب شعرا لتشفي غليلك من الحياة العابرة
ارو مأساة حياتك الرائعة
قبل ان يشتاق التراب لطعم لحمك
ما رأيك في كأس من نبيذ فيتو
انه يذكرنا بالجنوب حيث لاتروى القصص بل تعاش
لا بد ان تكون هناك لتعرف مذاق الجنوب “9”
شئ لا يوصف
العودة منه موت صغير
مثل ابرة تنغز في كل موضع من الصدر
هناك العالم اقل تلوثا وللعطر شميم ابعد
في المساءات خصوصا
تتلوى بطون النساء مثل القطط حينما تشبط
تشم رائحة الحناء تخرج من الفم مع الكلمات
وللشعر الفاحم عطر عشب مبتل
كن هادئا وانت تتذوق الخمرة
امزجها بخمسين كأسا من الماء
لتخفف عتق الف سنة “10”
فحمرة المساء مغرية بالجنون
والبحر مثل بيت شعر لا ينتهي
لن تحتاج لنواح شاسعة كي تصنع امبراطورية
كن مثل نستور الحكيم كي تعود لمملكتك في بر وامان
يكفي فج من الارض وحصيرة
اقراص خبز وعنب وتين وقارورة خمرة
وأمرأة بلا كحل ولا عطر صناعي
لتصير امبراطورا حتى وانت بلا ثياب.
لنمرح هذا المساء ونترك المقبرة للأموات
الجليد لن يذوب قبل ايام
البحر اجمل في هذه الايام فأمواجه ثقيلة
والنوارس تخشى الاقتراب منها
ففي لسان كل موجة ناب من انياب شيلا
حيث يكمن السم الزعاف
كل جمال فيه سكرة موت
وفي كل منفى تنمو زهرة اللوتس
ناثرة طلع النسيان على ذاكرة الغرباء
” لا احد ضربني، لا احد فقأ عيني، لا احد الرجيم”11″
كان صراخ ابيفو لوموس يصل لأذني ابيه
“لا احد ” يدفعنا اليوم للهاوية
وبالمكر نقتل كل يوم الف مرة
دعاء ابن بوسيدون الاعمى ان نعود فقراء
متسولين، هرمين على ابواب بيوتنا
لا تعرفنا الكلاب ولا الخيول
نقضم عشبة مولي ” ” ليلا ونهارا كي لا نصير خنازير بشرية
“لا احد ” خلفنا و “لا احد ” امامنا
والمركب تطفو أخشابا والبحارة جثث تتهادى مع الموج
حتى شجرة الزيتون على الساحل نخرها الدود
“لا احد” سيد المكر
ونحن مازلنا في نزهتنا
انت مازلت تحلمين بالغبش
كي نعاود النوم سكرى بحب لا يعرف النوم
الاجدى ان نتسلق الجبل لنطل على الوادي
فالخراب سيبدو صورة لم نرها من قبل
ضعي شفاهك على شفاهي لننسى قليلا.

 

أجراس الكنيسة

المجد للرب، من اجل سلام كل العالم
الاجراس تقرع لقداس المساء
في حقول القمح يتبختر نبوخذ نصر
حوله الحواريون
الاسكندر وداريوس و هولاكو ونابليون وهتلر وجل الأباطرة والسلاطين
لن تكون الارض قاحلة في تاريخها كما في هذا المساء
مائدة الشر لاحدود لها
سبع اراض وسبع بحار وسبع سماوات
لوسي فير “12” سيتضرع لحضور الجلسة
لن تكفيه اوسمته للحضور بين علية الشر
لكن اجراس الكنيسة تقرع وصوت القس يعلو
يأكل قطعة خبز ويشرب جرعة من نبيذ
آمين،

على حيطان دير سان سافان ترتجف صور القديسين رعبا
فالملاك الحارس تتوهج عيناه بالجمر
ولن تخفق جناحاه حينما تتوهج الشمعة ويرقص لهيبها
في مكان قريب
الراعي يغلق باب حظيرة الاغنام
بهدوء يتناول حساء القرع
يشحذ سكينه لقطع قرص الخبز
رائحة الكستناء المحروق تصل انفه
يقلبه في المقلاة على نيران الموقد
يرخي لمخيلته العنان
تظل الشياه تثغو الليل كله
والصراصر تدب بين اكوام التبن
العنكبوت ينسج بيته على المزلاج
سيكون الليل صاخبا برنين الحديد على الحديد
لا مراء ان السلام بين الذئاب والحملان محكوم بأرادة البشر
قبل النوم اغلق باب غرفتك لتنم بسلام
هيئ احلامك وتذكر يومك كله لتنجو بنفسك من الكوابيس
تلك هي الموعظة
لكن ابواب العالم مشرعة على مصاريعها
ومهرة الحلم السوداء تصهل في المرج
الدب القطبي ينام سعيدا تحت طبقات الجليد
لاحاجة له بأحلام يسلي بها نفسه في اليوم القادم
فلن يخرج من مخبأه قبل شهور
النور في الاحلام خافت ابدا
هل اقول لك ان لون قرننا اسود ؟
ملابس الناس داكنة هذه الأيام
السواد في درجاته التي لا تحصى
الرايات سوداء والاقنعة التي تغطي الرؤوس سوداء
والسلاح، رغم بريقه، كان دائما بلون ظلمة القبر
لن نتنزه في نينوى في الأيام القادمة
فعتمة النهار مثل عتمة الليل
لم تعد هناك حتى مقبرة واحدة لينمو عشب الحرمل الذي تعشقين رائحته
او الشوك النجمي الذي يعلق بالملابس
قبر يونس صار ركاما من آجر كما قلاع دريسدن
تمثال سيدة النجاة صار غبارا على الوادي
الغبار يلد الغبار
انظري جيدا للساحات المغبرة
كأن الله خلق الرقاب للقطع فيها
السيد غيوتين فكر بذلك قبلنا بقرنين
استرشد بالميكانيك ليصنع مقصلة تناسب عصره
والسيد البغدادي اعاد نسج افكاره في آيات
تجنبي الحصى وانت تمشين على الساحل
فقد تزل بك ساقك وتصبح النزهة شؤما
العصر يسير على ايقاع طبول حرب بدائية
لكي تسمع اغاني رومانتيكية عليك غلق الابواب
عدنا للسيوف والخناجر بعد ان ركناها زمنا في المتاحف
اية ملاحم هذه ؟
لوحات الرسامين العظام خلف ابواب خزانات فولاذية
والقنابل الذرية خلف نفس البوابات
المدن صارت تتشابه في هندستها
ايقاع المشي فيها على نفس الموسيقى المغشوشة
وفي البلدان المدارية ترك الناس زراعة القطن
استبدلوه بالقنب والبنجر
الفقر يصنع عجائبا
تعالي، تعالي نشرب نخبا في اصيل يوم سبت
لنبعد الحمى التي تغزو الابدان في الليل
تعالي لنشم عطر آخر وردة في آخر يوم للخريف
غدا، في الفجر سينجمد كل شئ
ستبقى الزهور واقفة لكن بلا حياة
ترابا ستصير
ونحن تراب يسير على اقدام
وحين لا نسير نعود الى الارض ترابا
لن تميزنا عن بعضنا غير الذكريات الباقية
تقولين لي سنسير حتى آخر رمق
لا حيلة لنا ونحن نغذ الخطى في قلب الظلام
اجراس الكنائس تقرع لقداس الاموات
اشعلو الانوار، اشعلو الانوار
لنرى القدر يعوي كوعل جريح “13”
بعد كل هذا ماذا سنرى في هذا البرزخ ؟
الصلب على اعمدة اشارات الطريق ام المشنقة الحديدية
ام الموت غرقا في اقفاص حديدية
ام هو ذلك الشاب المحترق في قفصه مناديا نفسه
ام الرمي من شاهق ؟
مكلوم هذا العصر برجال ونساء من مرمر
تحت اظافرهم تنمو الامراض الزهرية
ابتعد ايها الصمت
فأنت اثقل من الحديد.

 

مزرعة الحيوانات

دودة الأرض لا تدب بل ترقص
تشق في رقصها انفاقا للهواء
لترتاح الارض من صليل المحراث
في ايار تخرج فراشة بيضاء تتنزه في يوم
لتخلق ذكريات عمر وتموت في المساء
بعد ان تترك بيوضا لفراشات في أيار قادم
نحن نقطع الشجرة التي تهوى صارخة :
تبا لكم،اتركوني اموت واقفة
بين ثناياي تعيش الف حياة ترتوي من ماء زلال
في الدمنة الف حياة أخرى تعمل طوال اليوم بسلام
كي تغذي البشر بتفاح من مائدة باخوس
الاوراق تعيش فصلا ثم تسقط كما الشعرة من فروة الرأس
لتجعل الحمار الذي يعلف يحرك بصره وينهق ليجاري سقوطها
هل تذكرين حقل ابي ؟
في الليل نسمع نهيز الفئران تخربش خشب السقف
رائحة الحليب بقوة رائحة الارض
تجعل القطط تموء و تتلوى رافعة ذيولها
والكلاب تشتاط من الغيرة
لكن في ربيع ما اصاب الابقار جنون قاتل
واصاب الغنم جنون آخر
واصاب الطيور جنون اقوى
هي بذرتنا تتنقل بين الحيوانات
البذرة الذرية التي تحرق العالم على نار هادئة
نادرا ما ترين اليعسوب يخفق بأجنحته على صفحة الماء
كنا نحبه ونتبعه في طيرانه على الساقية اسرع من رصاصة بندقية
اختفت اليعا سيب
اختفى الجندب الليلي الذي اضاء طفولتنا
نقيق الضفدع كان يأتينا بالمطر
اسرعي ياحبيبتي وحاذري على ثيابك المنقوعة بزخات آذار
الملجأ هناك تحت سقف حظيرة الابقار
قبلتنا بليلة هذه الظهيرة
ذلك اشد درجات اللذة
ضعي ثيابك على كرسي الحلب
ستجف خلال عناقنا
ماهذه الظلمة في الرأس
تقولين حينما تسمعين الأخبار فأصرخ :
امتشق انيابك ايها الذئب و مزق لحمنا
لاتكن مدجنا فيقتلك الرخاء
ابق في ثأريتك لتنقذنا
فالموت بين الانياب اكثر رحمة من الموت بالمبيدات
واكثر رحمة، مئات المرات، من الموت امام شعاع فطرة صناعية
ستسحل نعشنا ذات يوم، لا جدال
ستكون الايام ليلا دائما بجليد يسرك في كل الفصول
رغم عقارب الساعة التي تتقدم بتكاتها
ضرع اليابسة سيجف
ولن يعد البحر صالحا للأبحار بفعل شرهنا في الأكل
سننسى رائحة الحليب والمطهرات الطبيعية
رائحة الخزامى في الصابون
وقشرة البرتقالة التي تجف في زاوية الموقد
هل من حساء هذه الليلة الحزينة ؟
يقول سيد لسيدة وينتظر الجواب
ستزحف العناكب لتنسج بيوتها على اجسادنا في لمح البصر
لن يجد روبنسون كروسو في السفينة شيئا
لبدء حياة جديدة في جزيرة مجهولة
الجرذان تأكل كل شيئ حتى مسامير الأبواب
جمعة-“14″، وحيدا على الضفة الأخرى يبني بيته من القش
يبتهل بنشيده الصوفي للماء والشجر وقرن الايل
ينتظر الساحرات اللواتي سيرقصن معه على ايقاع سقوط النجوم
لقد شحذ غلمته لليل طويل من ليالي الجنوب
والسادة يجوبون السماء في طائرة تبحث عن مدرج
يا بنات ايوليونيس الست تعالين وارقصن معنا
تعالو يا اولاده الستة وارفعو الأنخاب معنا
هيؤوا المائدة والشراب فالأب قادم في الهزيع الاول من الليل” 15″
لا كشبح يطلب ثأرا
بل عاصفة
لنتأمل في صمت وحبور ونحيي الجنوب
لنصيخ السمع فالرياح ستهب لتدمل جرحنا الذي طال شفاؤه
هبي ايتها الريح
هبي ايتها الريح.

 

ترجمة عن الفرنسية جبار ياسين
[email protected]

 

أشارات:
1 – ليوليونيس، هو آله الرياح في الاساطير اليونانية. له ستة اولاد وست بنات.
2- جزيرة ليل دو غيه، واحدة من اشهر الجزر الفرنسية قبالة مدينة لاروشيل. آرس واحدة من قراها الأكثر جمالا.
3- كلمات، كلمات، كلمات، هي العبارة التي يرددها هملت حينما يسأله الوزير بولنيوس عما بيده.
4- اشارة لملك الصين شي هوانغ تي الذي وحد الصين في القرن الثالث قبل الميلاد وبنى سور الصين الكبير واحرق الكتب التي تتحدث عما سبق حكمه.
5- سافو، شاعرة ومغنية اغريقية عاشت في القرن السادس قبل الميلاد. بعد خيبتها من زوجها العنين صارت سحاقية. كتبت 120 الفا من ابيات الشعر، ضاع معظمها وكرست شعرها لمدح السحاق.
“6” اشارة لما قالته الساحرات الى مكبث. لكن مكدف الذي يقتله لم تلده امه بولادة طبيعية انما انتزع من رحمها قبل اوان الوضع بعملية قيصرية.
7- عبارة عطيل قبل قتل ديزدمونة في مسرحية شكسبير.
8- ارجوس، كلب اوليس الذي انتظره امام باب بيته عشرة اعوام. عرف سيده، رغم غيابه الطويل وهيئته التي غيرتها الآلهة اثينا، ثم مات.
9- احالة الى حوار في رواية ابشالوم لوليم فولكنر.
10- يشير الى نبيذ الأله ابولو القوي الذي جلبه اوليس معه من طروادة.
11- لا احد، هو الاسم الذي ادعاه اوليس لنفسه حينما سجن هو ورجاله في مغارة السيكلوب. وحينما فقأ اوليس عين السكلوب كان يصرخ بهذه العباره فلم يهرع جيرانه لنجدته.
12- لوسي فير هو احد اسماء الشيطان في اللغات اللاتينية.

13- احالة الى عبارة هملت في مسرحية شكسبير.
14 -جمعة، هو الرجل البدائي الذي يلتقية روبنسن كرزو في الجزيرة وبجعله خادما له.في رواية دانيال دفو

15- أشارة لوالد الامير هملت في مسرحية شكسبير حيث يظهر له كشبح يطالبه بالأخذ بثأره من اخيه القاتل.

SHARE