
أغنيّةٌ أجنبيّةٌ
أنْ نَقصفَهمْ بالقنابلِ
لا بدَّ أنّنا لم نسمعْ موسيقَاهُمْ
ولمْ نعرفْ سهرَهمُ الّذي بلا ماءٍ
ولم نرَ كيفَ كانتِ الصَّحراءُ توًّا
تحتَ نواقيسِ الْموتِ
تدقُّ فوقَ مهُودٍ نائمةٍ وآبارٍ جافّةٍ.
مَا كانَ يمكنُ أن نَبْغِي
استراقَ السَّمعِ هذَا
إلى أسماءٍ لم نَلفظْها أبداً
وهي تصلِّي منْ أجلِ الْمَوتِ.
أحاولُ أن أُؤمنَ بنا-
لابدَّ أنَّنَا
لم نسمعْ
مُوسيقَاهُمْ.
الرُّوحُ
اخْتَفَتْ
ظَهَرَتْ مرَّةً أُخْرَى
مِثْلَ دُخَّانِ الْمِدْخَنَةِ
الَّتِي احْتَرَقَتْ عَبْرَ ذَباَئِحِ طُيُورِ السُّنُونُو
الْهَامِدَةِ،
لاَ مَشِيئَةَ لَهَا
وَلذَلِكَ تَبْعَثُ الدُّخَّانَ
بِعَيْنَيَّ هَاتَيْنِ.
وَلأَنَّهَا مَا احْتَاجَتْ
وَلاَ طالَبَتْ بِإيمَانِي،
انْحَنَيْتُ فَوْقَهاَ
انْحِنَاءَةَ عَامِلٍ مُتْعَبٍ
فَوْقَ بَوَّابَةٍ.
مُسَدَّسٌ
وَضَعَ ظِلَّ مُسدَّسٍ
مكانَ يَدِ زَوجِي،
فِي الْيَدِ الآنَ مُسَدَّسٌ كَظِلٍّ،
وَلَكنْ عَكْسَ أيِّ ظِلٍّ جيِّدٍ
للزَّيزَفُونِ أَوِ الْعُشْبِ، مُجَزَّأٌ
حسبَ الضَّوءِ الْعَذْبِ الَّذي يَمُرُّ،
لاَ زَمَنَ يُمكِنُ أَنْ يَمْحُوَ هذَا الْجُزْءَ،
لا يدَ يُمْكِنُ أَنْ تَفْقِدَ مِثْلَ هذَا الظِّلِّ.
قُلْتُ لِزَوجِي: أُنظرْ إلى يَدِي.
نظرَ إلى جُرْمِ الْغَرِيبِ عَلَى جِلْدِي، أَرْضِي.
وضعتُ أفكاراً، كافوراً، تُربةً في الْيَدِ
وَلَكِنْ نَمَا الْمُسَدَّسُ،
وَعندَمَا لَمْ يَتَبَقَّ لِيَ الْكَثِيرُ مِمَّا أَخسَرُهُ، قلتُ:
أَعِدْ إِلَيَّ عَقْلِيَ لأَعْرِفَ
إذَا كَانَتْ هَذهِ الآنَ يَدِيَ الْحَدِيدِيَّةَ
الَّتِي تركَ فيهَا مثل هَذَا الظِّلِّ.
آنِيَةٌ
كُنَّا أَوَانِيَ بِالْكَادِ
مَا كَانَ يُمْكِنُ أنْ نَحْتَوِيَ مَا نَحْتَوِيهِ
وَلهَذَا طَرَحْنَاهُ، مِثْلَمَا يَفعَلُ كَلْبٌ
بِسَمَكَةٍ بَائسةٍ، لَحْماً وَحيداً
لَمْ نَكُنْ بِغالاً
وَلَوْ حَمَلنَا مَخَازِنَ فَوقَ ظُهُورنَا
قِصَصٌ نِصْفُ مُنْتَهِيَةٍ
أمَّهَاتٌ نَحيفَاتٌ فِي أُطُرٍ
لَمْ نَكُنْ أَوَانِي
وَلَكِنِّي أردتُ أنْ أكُونَ واحدةً لأَبْتَلِعَ
وَأحملَ وألاَّ أُفَكِّرَ لأُمَانِعَ
وَلاَ فَمَ لَدَيَّ لأَبصقَ وَلا قَلْبَ
لأَتَمَزَّقَ إلَى طَحَالِبَ
مِنَ الْبَحْرِ.
بيروت
المَطرُ وَعدٌ
نَقْطَعُهُ أَحَدُناَ للآخَرِ:
وُلدتُ يومَ سقوطِ سايغونَ
ولُبنَانَ يَضعُ السِّلاحَ عَلَى رِقَابِهِ بِنَفْسِهِ.
فِي ذلكَ الْيَوْمِ
اَلْجُنُودُ الْجَنُوبِيُّونَ يُمزِّقُونَ مَلاَبِسَهُمْ ذَاتَ الزّيِّ المُوَحَّدِ
وَيَرْمُونَهَا فِي الْميَاهِ الْمُمتدَّةِ
لنَهْرِ سايغونَ. المَحظوظونَ هُمْ فِي القَوَاربِ،
أوراقُهُمْ مُحترقَةٌ إلى خشبِ الْجرنوبِ الأحمَرِ بلاَ تفَاصِيلَ،
سربٌ بلاَ ولادَةٍ، بِلا حفْلةٍ، فِي طَيرانٍ، في سقوطٍ
نحوَ نَهرٍ منْ أَسْمَالٍ
مَنْقُوعَةٍ بكلِّ إِيمَاءَةٍ هائِجَةٍ أَشَارَتْ
إلَى الْبَحْرِ السِّرِّيِّ.
ليَومَيْنِ تمدَّدَتْ أُمِّي علَى الأرضِ منَ الألَمِ.
وَانتقلَ الْجَرادُ إلَى مِذْيَاعِهَا،
بأجْسادِه ذَوِي النِّهَايَاتِ الَّتِي تشبِهُ الْقَوَارِبَ
بَينَمَا لاَ تَبْقَى مُتلاَصِقَةً حَتَّى أَصَابعُنَا
لِتُجذِّفَ بِنَا مِنَ الْمُدْنِ حَيْثُ الْمَاءُ الْمَالِحُ، بَعْدَ سَنَواتٍ،
سَيُغَطِّي رقَبَةَ كلِّ شجرةِ بَلُّوطٍ هائِلَةٍ.
قُربَ الْمِذيَاعِ تَسمَعُ عَنْ سُقُوطِ سايغونَ
وَعَنْ قِطَعِ اللَّيْلِ الْمَعْدِنِيَّةِ الْمُشِعَّةِ بالطَّلَقَاتِ فِي لبنانَ.
تَقولُ: اَلْمذيَاعُ لاَ يَنْقُصُهُ شَيءٌ لِيلتَقطَ الْعَالَمَ.
سَتَستَيْقِظُ إِلَيْهِ وَتَنَامُ
ستُخبِرُهُ مَا تَشَاءُ.
فِي طُفُولَتِي أَرَاهَا تُدِيرُ
الْقُبَّةَ الصَّغيرةَ الْمُشغلَةَ
حيثُ تَحتَشِدُ حَيوَاتٌ كثيرةٌ
لتَبثَّ مَا يُصِيبُ كلَّ عَينِ بَلَدٍ
بِالاصْفرَارِ.
لبنان الكِلْسِ، لبنان الْخِرَافِ،
لِيومَيْنِ تَتَمَدَّدُ أُمِّي على الأرضِ منَ الأَلَمِ.
فِي الْيَومِ الثَّالِثِ
الخرافُ على تِلاَلِ لُبنَانَ
تُحْنِي رُؤوسَهَا، تَتَوَقَّفُ عنِ الطَّعَامِ وَتَسمَعُ
مدينةً قديمَةً تكسِّرُ نفسَها إِلى نِصفَيْنِ-
ثُمَّ إِلَى نِصْفَيْنِ مَرَّةً أُخْرَى-
وَمَرَّةً أُخْرَى-
حتَّى تُصبِحَ الْأَنْصَافُ تراباً
فَلاَ يُثْمِرُ فِيهَا الزَّيْتُونُ.
وَلاَ يَنْمُو من الْكِلْسِ سِوَى الأصدَاءِ
وَصُياحِ الطُّيورِ وَهيَ تَحْمِلُ
الأصواتَ أناساً
إلى المُنحدَرِ الأبيضِ.
لِصرخةِ الإِنسانِ حَيَواتٌ كثيرةٌ.
النَّوارسُ افتراسٌ منْ دَمٍ ولحمٍ.
لثلاثينَ سَنَةً، النّاسُ الّذينَ في حَياتِي عَاشُوا.
وَمنْ ثَمَّ الآلافُ حَوْلِي غَرِقُوا.
سايغون، فوكيت، بيروت، نوارسكِ
طارتْ فوقَ أميركا وأَعارتْهَا اسمَكِ.
لَوْ مِثلمَا قَالَ سُقراطُ:
كَانَتْ أخشابُ الْجرنوب أُناساً
حتّى سَمعوا أغنياتِ الْعالمِ
فَاستَهوَتْهُم حَدَّ أنْ نَسوا
أَنْ يأكلُوا ويَشربُوا فمَاتُوا-
وَلَوْ عَطَفَتِ الآلهَةُ حَقًّا
على الْمَوتَى
فَأقامَتْهمْ
إِلى أَشْيَاء مِنْ رمادٍ تُغنِّي-
إذَنْ أُغنِياتُنَا أَيْضاً
أَوْبِئَةٌ.
كيتي فورد شاعرة أميركية صدر لها “ايداع” و«كولسيوم” عن دار “غراي وولف”. ومن الجوائز التي حصلت عليها الشاعرة جائزة لانان الأدبية وجائزة ليري ليفيز. كتابها “كولسيوم” كانت في قائمة أفضل الكتب لعام 2008 حسب بابليشرز ويكلي وفرجينيا كوارترلي ريفيو. نشرت قصائدها في مجلات “نيويوركر” و«بويتري” و«باريس ريفيو” وغيرها. تعمل كيتي فورد استاذة “الكتابة الابداعية” في كلية فرانكلين ومارشال
ولدت دنيا ميخائيل في بغداد سنة 1965 حصلت على بكالوريوس أدب انكليزي من جامعة بغداد، وماجستير آداب شرقية من جامعة “وين ستيت” الأمريكية. حصلت على جائزة الكتاب العربي الأمريكي عن ديوانها “يوميات موجة خارج البحر”. لها خمس مجموعات شعرية. تقيم حاليا في ولاية ميشيغان