“خالق الفقاعات الصابونية” قصيدة للشاعر العراقي عدنان عادل

Adnan Adil

اليوم فقدتُ هاتفي

جيوبي ملأى بأجبان فاسدة
خرجتُ من أنفاق المترو
ابحثُ عنكِ تحت الغيوم الرمادية
تتبعني جرذان المدينة

كانت أعضائي ترّن
بعضها يهتز صامتا لملاقاتكِ
ورأسي يستلم كل رسائلكِ الإلكترونية
هكذا وجدتكِ في كرنفالات الرغبة
تراقبين بهلوانا يلتهم النار
قربه غجرية تلتهب بشعلة بين فخذيها
فَحِيح ألسنتها الصاعدة يمتد حتى ما بين الشفتين

تركتُ أعضائي على هواها
تنفصل مني
تغادرني واحدا بعد الآخر
زاحفة صوب الشعلة تتدفأ
كنتُ سعيدا بتوديعها

تحت الغيوم الرمادية
أَلوّح بعصا مُنَقعة بزَبَد رغباتي
أنفخ في حلقتها
أرى جرذانا سعيدة
تتقافز لالتقاط فقاعاتي الصابونية
والناس من حولي تنفلق طمعا بجنة كاذبة

لم يبق لي سوى هذا الراس المليء بالحوريات
أحتفظُ به كألبوم ذكرى
الجنة هنا في رأسي
مَن يرغب بقطفه لينال ما فيه ؟

هكذا فقدتكِ في زحمة الكرنفال كهاتفي

وهكذا تحوّرت علاقتي بالأشياء من حولي:

رغوة الصابون المتيبسة على جرح المغسلة
توتر علاقة ذاكرتي بنعومة الوسادة
الذاكرة والدم
يتناسلان في أرحام أُمهاتنا
فيولد بالصدفة واحد مثلي أو مثلكَ:
خالق الفقاعات الصابونية

الوجه الذي بتُ لا أراه منذ عقود على المرآة
يذكرني بوطن هَرِم
والآخر المنقوش بظفر على الصابون
لا يذكرني بشيء
لكنه يصلح للاستمناء

فردة النعل المقلوبة على البلاط (قياس43)
تريني وجه الله الحائر
تقاطيعه الشبيهة بالوجه اللامرئي على المرآة
لا تذكرني بوجه افتقده

قطف السيجارة
موضوع بعناية على حافة المغطس
يشبه زمانا مبتلى بمكان

اضطرابات هذا العالم
تذكرني بالحمار الأبيض الفتيّ
لحارس مزرعة التين الأسود
وكيف جنّ جنونه
حينما أولجتُ في إسته
نصف اصبع من الفلفل الأحمر الطازج
وكيف طار بي في سماء العش الأول
إذ نفختُ بالخرطوم المسروق من حديقة نَنَه فهيمه
في أذنه المتيقظة

صرخة الحيامن المُكَفّنة بمسودة هذه القصيدة
زرعتُها في غابة سميتها: “غابة مقبرة الحيامن”
ستُزهر حتما طفلا عصيا يسخر من الفأس
ومن الأديان لامحالة
أُمه شجرة بلا جذور
إنه طفلي
وسأتبعه

تتبعني جرذان سعيدة
وعرّافة الكرنفال تتبعني وتردد:
“في النهاية نفقد كل شيء”

عدتُ أدراجي
مع ريح تلاعب فقاعتي ورأسي هائم بينها
سعيدا رغم فقدي
هاتفي
والوطن
وبضعة نساء جميلات

 

بروكسيل، حزيران (يونيو) 2017

 

عدنان عادل: شاعر وكاتب عراقي مقيم في بروكسيل.
[email protected]

SHARE