
في الغيبوبة
جسدك ليس لك
عقلك ليس لك
دماغك ليس لك
روحك ليست لك
كيانك ليس لك
أحلامك ليست لك
لا شيء لك على الإطلاق!
أنت مجرد طائر مهيض الجناحين
يتعثر في الطيران كأعمى فقد عكازه
في حرب ضروس مع العماء.
في الغيبوبة
لا تعرف اسمك ولا لقبك
لا تعرف تاريخ ميلادك ولا عمرك!
لا تعرف في أي ساعة أنت ولا في أي يوم!
لا تعرف في أي شهر ولا أي فصل
ولا أي سنة ولا أي قرن أنت!
لا قيمة لأي شيء في سرمديتك
وهمودك الفسيح.
في الغيبوبة لا تشعر بالزمن
لا قيمة للوقت ولا لعقارب الساعة
لا قيمة لشروق الشمس ولا لغيابها
لا قيمة للصباح ولا للمساء
لا قيمة للنور ولا للظلام
لا قيمة للخصوبة ولا للجفاف
لا قيمة للأشجار ولا للأزهار
لا قيمة لرقة فراشة ولا لرفرفة عصفور
لا قيمة للغمام ولا لزرقة السماء…
في الغيبوبة أنت حاضر
وحضورك الحقيقي هو غيابك
وتخبطك في مهاوي العدم
دون أطراف ولا ساقين ولا قدمين قويتين…!
في الغيبوبة
تنسى الطرق التي تسير عليها كل يوم
تنسى الطريق إلى المقهى
تنسى الطريق إلى الحانة
تنسى الطريق إلى العمل
تنسى الطريق إلى البيت.
تنسى علاقة مفاتيحك
تنسى مفاتيحك
تنسى قفل بابك.
تنسى مكتبتك
تنسى رائحة كتبك
تنسى دفاترك وأقلامك
تنسى قصائدك.
تنسى طقوسك اليومية
تنسى قبعتك
تنسى معطفك
تنسى قميصك
تنسى ما إذا كنت لابساً أو عارياً!
لا فرق، فالنسيان سر الغيبوبة
وولي نعمتها.
في الغيبوبة
لا قيمة لأي شيء
سوى لأنبوبة الأوكسجين
التي تمد رئتيك بالهواء
وللخراطيم التي تغذي جسدك بالأدوية
ومواد التخدير لتسكين الساكن أصلاً!
لا قيمة سوى للأشرطة اللاصقة على صدرك،
التي تقيس نبضات قلبك التي لا تشعر بوجودها.
لا قيمة سوى للسرير الذي ألقوك فيه بلا حركة.
لا شيء يدل على تنفسك.
لا شيء يدل على وجودك على قيد الوجود.
في الغيبوبة
لن تتألم مهما كان الألم شديداً
لن تتحشرج مهما كانت الحشرجة قوية
لن تبكي مهما كانت أسباب البكاء واجبة
لن تحب، ولن تعرف لما لا تحب؟!
لن تكره، ولن تعرف لما لا تكره؟!
لا دهشة
لا هيجان
ولا ذهول…
تبدو كتمثال منحوت من ضجر
أو أيقونة لا مرئية في كنيسة أشباح.
في الغيبوبة
مثلك مثل ذلك القرد
الذي لا يرى
لا يسمع
لا يتكلم
ولا يفقه أي شيء من حوله
لكنه رغم ذلك
يبقى كائناً حقيقياً
من لحم ودم ودموع…
في الغيبوبة
لن يرف لك جفن
لن تتورد خدودك
لن يعلو جبينك
لن ترمش رموشك
لن يخفق قلبك
لن تلاحظ قطرة العرق على جبينك
لن تمسح بقعة الدم السوداء عن عنقك
فقط ستتلاشى،
تتلاشى قدراتك التي ستصبح
أقل من الرماد وأخف من ذرة غبار.
الغيبوبة شرك
مكيدة
مغارة
فخ…
احذر أن تعلق بين أسنانها الحادة
ومخالبها الضارية.
الغيبوبة غباء!
وكم ستبدو نياتك حمقاء
حين تود أن تدوس عتباتها
وتحاول الدخول إلى دهاليزها
وممراتها المظلمة والمرعبة.
في الغيبوبة
بين اليقظة والغياب
ربما ستتحدث كفيلسوف كبير
لم يأت فيلسوف مثله
لا من قبل ولا من بعد!
حكمة تلو حكمة ستخرج
من تحت لسانك الثقيل
وحنجرتك المبحوحة
ونطقك الجريح
وشفتيك المتألمتين.
في الغيبوبة
أنت ميت
نعم، أنت ميت
ولا أحد يستطيع أن يوقظك،
ويرد الحياة إلى جسدك وروحك
سوى يد حبيبتك الحانية
وموسيقى قلبها العميق
فانصت
فانصت
فانصت إذن
بكل حواسك
وبكل الأنفاس المتبقية في صدرك
حينها ستفتح عيونك رويداً رويداً
وتستيقظ من غيبوبتك الغبية،
لا محالة.
16 -17.05.2020
المستشفى الجامعي في مدينة بون الألمانية
• القصيدة مكتوبة بالكردية، ترجمها الشاعر بنفسه.
حسين حبش، شاعر كردي مقيم في ألمانيا