
1
عندما تفتح فمك لتبتسم،
تأكد أن النوافذ البيضاء نظيفة.
وإلا، فضع ستائر أصابعك فوقها
حتى تسلم مع عواصف التهكم.
*
تلك المحطة حيث الدرج الطويل،
امشه على مهلٍ، فقد تدوس دمعة
سقطت ولم تجف بعد،
أو تدوس أثر نعلٍ لرجل لن يمشي كثيرا
بعد اليوم.
القطار يصفر كل مرة، يعتقد أن حبيبته
هناك تنتظر وأنه قد وصل محطته النهائية.
هو أصلا لا يذكر متى ولد وان كان كبر.
الكل يركبه ليلقى صديقاً أو ليذهب لحفلة عيد ميلاد،
لكن هو لا عيد له ولا ميعاد.
القطار ذو العيون الأمامية وعشرات العيون الجانبية
ينظر ولا يرى.
ظلام كثيف يكسوه تحت الأرض
يمر ببعض الإعلانات المضيئة،
يتمنى لو يستريح قليلا ليتنفس الهواء قرب النهر،
ولو يتوقف صوت السائق عن إعلان الوجهة القادمة،
كل مرة.
“أين وجهتي أنا؟ أين عيد ميلادي؟
سئمت شرب الكحوليات.
أريد أن أذوق رشفة من الثلج
في حانات القرية.”
سأذهب إلى دائرة القطارات
وأطلب منهم إذناً بأخذ القطار
إلى سكة رملية في الحقل المزروع
ذرة وفراولة وباذنجان
ونشرب سيجاراً قرب نافورة الماء
فقطار العمر، كما قال لي جدي،
يحب الخرير، لأنه يذكره بصوت رحم أمه.
السادس والعشرون من يوليو(تموز) 2020
2
كأنه الأمس القريب
كأنه أدنى كتاب على الرف الأرضي
تمر كبخار الماء البارد في الصيف
تبحث عن كأس قهوة ساخن تتدفىء به
أو كنملة تبحث عن درسٍ يلقيه معلم الجغرافيا
عن ممكلة النمل في القرية،
ترخي أذنيها إلى أشياء لا تعرفها عن نفسها
كما أصغى الأعرابي مرة إلى ذلك النحوي
يتكلم في اللغة بما لم يسمع به الأعرابي عن لغته.
سقطت كشعرة حمراء طويلة من فتاة
تعرت إلا من بياض جلدها،
لم يسمع ارتطام الشعرة بالماء سوى
سمكة كانت تستمع لفيروز في الصباح،
وأخرى تستمع لصوت مصطفى إسماعيل يرتل القرءان
فكان صوت سقوط الشعرة نشازاً في الأغنية
واضطرابا في مقام القراءة
سافرت الشعرة بعيداً وحطت رحالها
قرب المرفأ.
لمحها ابن أحد الصيادين وصنع منها
صنارة يصطاد بها رائحة شواء الأسماك.
ليلة الخميس.
التاسع من أغسطس (آب) 2020
3
I
يا ترى، هل عامود الإنارة ما زال صامداً في العتمة وحده؟
يا رمال الشوارع لا تزعجي قوافل النمل في الصيف.
لا تجعليها تأفف وتزعج الصمت المتكئ على ركام الماضي.
تمرّ الغيوم على قريتنا وتنسى أن تسلّم على الوادي اليتيم.
أزهار على جانبي الممر الهوائي،
ورائحة الخبز تتزحلق عبر مسامات جلد الفراغ
تبحث عن أنوف الجوعى في الأكواخ الوهمية
على قارعة الأحلام.
II
سلام، سلام
نوم، نوم
ارفع يدك وغطّ فمك عندما تتثاءب في نومك اليقظ.
أعلم أنك تنام لتحلم بحلمك الخيالي،
لكن أليس الواقع خيالياً لحد التطرف؟
وأنت تجلس في وقوفك (الذهني)،
أخبرتني أنك تستطيع رؤية الخيط الذي يفصل الواقعي والخيالي،
البرزخ الذي يفصل بينك وبين نفسك.
قلت لي أنك تخاف أن تقطع الخيط لأنك لا تدري أأنت في الخيالي أم والواقعي.
تخاف بقطعك الخيط أن تقطع الحبل السّري الذي يجعلك من أنت.
لكن هل ستقضي حياتك لا تعلم أين أنت؟
لربما أنت حلمٌ في عقل أحدهم؟
ربما بقطعك الخيط يستيقظ هذا الحالمُ العملاق؟
وتخرج من حلمه وخياله نحو الواقع؟
ربما أنت هو ذلك الحالم؟
لربما يجب إخبارك أنك لست حلما ولا حالماً.
أنت فكرة في عقل أحدهم،
والفكرة لا تجسيد لها في الخيال أو الواقع.
الفكرة هي لا شيء سوى شطحة أو نزوة فلسفية
يستطرد فيها صاحبها ليجذب الانتباه،
لربما لفتيات لقيهن بعد سباق دراجات عابر
وقت الظهيرة.
III
رمى المتفلسف الورقة في القمامة
فأتى عامل النظافة فجمع الأوراق وأعطاها
لرجل بلا بيت يسكن جانب السلة
ليدفئ نفسه في عتمة الليل.
كيمبريدج
الثاني عشر من يونيو (حزيران) 2020
القسم الثالث: الثاني من يوليو (تموز) 2020