
قالت وحيدة الطموحة:
ــ الماء علقمٌ هنا
الليلُ سائلٌ اسود يأكلُ جسدي هنا
بعد لحظة صمت استطردت:
ــ رجل سينقذني، محلّهُ هنالك في ركن السوق، ين أكياس الحنطة، والشعير، والدخن، يتصبب عرقا وضوءً.
يعرف قنطرةً سريةً تفضي الى بغداد.
لن يخدعني، انا متأكدة مثل ما ارى هذا الوشم فوق الخد.
مثل لسعة الاغنية الغجرية التي تنمو في حنجرتي.
رافقيني….. لن تخسري شيئاً.
خدك سيحمرُ ثانيةً وتضحك ُالشجرة.
×
في اليوم الثاني ايضا سردت وحيدة شيئاً من تفاصيل مشروعها:
ــ هذا النهر رغم جماله، لن يروي قلبينا، لا يوجد سوى نهر في بغداد، يضحك لنا ويسقينا، ويمنحنا ملابساً للسباحة.
ها …………ما قولك يا إسكَيوه؟
ـــ………………
قالت وحيدة:
ـــ سأعود للبيت وغدا نلتقي ربما تبشّرينني بالهجرة
إسكَيوه عينك تلمعُ ودمعاتك يأكلن جسدك من الداخل.
العشق حربة تترصد صدرك، الناصع البياض، واللذة دخان الموقد المتلاشي .
×
لملمت إسكَيوه خرقها البيضاء، الناعمة التي تشبه قماش الناموسية، ووضعتها في قِدْرها الذي كان مليئا بالقيّمر وقِدْرها الثاني الذي كان مليئا بالجبن، أو الزبدة، وغادرت حافة النهر التي تشبه حافة صندوق عميق ما ان يسقط منها احد سيهلك .
مرت في ذاكرتها قصيدة ٌ قصيرةٌ مختلفة، محلّقة لايستسيغها مجتمعها. قصيدة تُغنى سراً.
ــ ايتها القصيدة المحلّقة انا لا ارفضكِ مثلما يرفضك الاخرون، لكن اضحي بحلمي مضطرة، مضطرة آه آه ثمن التضحية جسد ينحدر، ويتمدد مشلولاً فوق سرسر الرماد.
×
قالت إسكَيوه ــ يا أمي اليوم تأخرت عليك .
قالت الام الممددة: لولاك لهلكت من زمان
انت الولد وانت البنت وانت السند، آه لو تتزوجين واطمئن عليك
×
الليل على وشك الانتهاء، متى تنام إسكيوه؟ راح قلبها يطلق اغنياتٍ غزلية من فــرط الوجع تحولت الى مراثي! قلبها يغني، فمها صامت.
اذا غنى فمها ووصل الغناء الى بيت الاعمام
قال جسدها واختلط صوته الهامس، المبحوح بثوبها البنّي، المعذب هو الاخر .
ـــ ما لذي سيجري ما لذي سيجري !
……………………
الليل على وشك الانتهاء نامت إسكَيوه قليلا واستيقظت على اثر أصوات الكائنات الجائعة!
…………………………….
……………………………
القمر الصغير، الخجول المؤاسي يخرج من آنية الجبن الناضج فجراً.
جلبت إسكَيوه الماء الساخن من الموقد ومسدت اطراف امها، غيّرت ملابسها.
ــ اليوم سيكون فراشك قرب النافذة المستديرة مثل الشمس/ الحلاوة في طبق الخوص، ربما يدخل الله ملتمعاً من اجلكِ ومن اجلي أيضاً ربما.. ربما….هل يدخل مثل فارس شهم يسمح لي مبتسماً ان أمضي نحو منزل الغناء! ……
سأكون الى جانبك يا أمي. ابتسمت بهدوء، كانت ابتسامتها معذية ايضا.
×
حاكت قصيدتها السرية، وجمهورها جسدها، وثوبها، وشجرة في طرف المرعى:
ــ صورة الحبيب المرسومة على ورق البردي تتطاير في افق الجسد أنتشي……. أنتشي
تعالي لي هكذا اسمعه يقول صاحب الصورة الراقصة في الافق:
ـــ تعالي لن تخسري
لكني أمزق الصورة.
أمزق صورته، ابكي سراً، أمسح دمعتي، واقتربُ من امي ممسكةً صينية فوقها طاسة الماء، وطاسة الحناء، وابريق البابونج الساخن.
تهمس إسكيوه قصيدتها الممنوعة ا
القمر في الآنية يبتسمُ.
في وجهي غيمةٌ.
الرذاذ الحزين ينزل ليلاً، وفجراً في البيت وعلى حافة النهر وانا انتظرُ الرزقَ من بيع الحليب الابيض جداً.
×
قالوا: ما أجمل وجهك
قلبك ناصع البياض، وبياضك شمسٌ صباحية، وبياضك خيمةٌ تجلس تحتها الأم. أنت الأم أم انت اِلابنة؟!
×
وحدها الان في الحقل بعيداً عن القرية. السماء تمطر بغزارة. وحدها مع أغنامها. تعوم الان في المطر، آن لها أن تغني، لن يسمعها ابن العم، والعم، والجار، والخال. حنجرتها طارت وحطت مطمئنة ًعلى شجيّرة الصفصاف في طرف الحقل. حطت على التلة قريبا من الجدول، طارت، لكن لم تستمر بالطيران مع القصيدة المختلفة المرفوضة.
عادت الى (سردابها) او نهرها.
×
قالت وحيدة خليل في اليوم الثالث:
ـــ هذا ثوب السفر او الهروب، هل شاهدتي ورد رمان مثل هذا الورد. هذا العطر لن استخدمه الآن لا تخبري احداً
تعالي معي.
بيتٌ مصنوع من الماء ينتظرنا في بغداد
بيتٌ من الذهب ابوابه ستفتح لنا انا متأكدة
تعالي معي. ارجوك. لماذا انت صامتة؟
ـــ …………….
ـــ تكلمي
ـــ……………….
ـــ تكلمي إسكيوه
ــ سأدفن حنجرتي تحت القصب المنتشر هنا…. سأرتدي ثوب الصمت المصنوع من الصوف الاسود.
النهر وحده سيسمع صوتي، ويدفن أشيائي الخاصة في طينه بعيداً بعيداً عن الصيادين، عن العم، والخال، والجار.
كاتب وشاعر من العراق